Search
Close this search box.
logo_black

الوحدة و حديث الفرقة الناجية

الشيخ محمد السند

إنّ الحديث المتواتر بين الفريقين عن النبيّ ( صلى الله عليه و آله و سلم ) : " إنّ أُمّتي ستفترق بعدي على ثلاث و سبعين فرقة ، فرقة منها ناجية و اثنتان و سبعون في النار " 1 يلزم الباحث المسلم الطالب للنجاة الأُخروية الفحص عن خصوص تلك الفرقة الناجية ، و التمسّك بها دون بقية فرق المسلمين ; لأنّ مؤدّى الحديث النبوي أنّ الاختلاف الواقع ليس في دائرة الظنون و الاجتهاد المشروع ، بل هو في دائرة الأُصول و الأركان من الأُمور القطعية و اليقينية ، أي ممّا قام الدليل القطعي و اليقيني عليها ، و إن لم تكن ضرورية في زمن أو أزمان معيّنة نتيجة التشويش أو التعتيم الذي تقوم به الفرق الأُخرى .

و الحديث ـ مضافاً إلى كونه ملحمة نبوية ـ يحدّد معالم الوحدة التي يجب أن تقيمها الأُمّة الإسلامية بأن تكون على منهاج الحقّ و الهدى الذي تسير عليه الفرقة الناجية ، و إنّ الأُمّة و إن اشتركت في الإقرار بالشهادتين و الانتماء إلى الملّة الواحدة إلاّ أنّ ذلك لا يعدو الأحكام بحسب ظاهر الإسلام في النشأة الدنيوية ، إلاّ أنّها مفترقة بحسب واقع الإسلام و الإيمان الذي به النجاة الأُخروية ; فهناك ديانة بحسب إقرار اللسان تترتّب عليها أحكام المواطنة في النظام الاجتماعي السياسي ، و هناك ديانة بحسب القلب و الأعمال تترتّب عليها أحكام الآخرة من النجاة من النار و إعطاء الثواب .
و هذه الأُمور المستفادة من الحديث الشريف المتواتر إنّما هي بلحاظ الإنسان البالغ العاقل المكلّف ، الذي قد اجتمعت فيه شرائط التكليف ، أمّا الصبي و المجنون و الجاهل القاصر أو المعتوه أو الأبله و حديث العهد بالإسلام و نحوهم ممّن لم تقم عليه الحجّة و تتمّ شرائط التكليف لديه ، فهم معذورون ، و عاقبة المعذور ـ كما سيأتي ـ موقوفة على المشيئة الإلهية الأُخروية ، التي فُسّرت في الروايات بإقامة امتحان إلهي له يوم القيامة إن أطاع فيه نجا و إن عصى هلك .
و قد أُطلق على أفراد المعذور في الكتاب و السُـنّة عدّة تسميات ، كـ﴿ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً ﴾ ، و ﴿ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللّهِ … ﴾ ، و ﴿ أَصْحَابُ الأَعْرَافِ … ﴾ ، و الّذين ﴿ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا … ﴾ ، و ﴿ وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ … ﴾ ، و أُطلق عليهم أيضاً : " الضلاّل " ، بمعنى : الضالّ " القاصر " ; إذ هذا أحد معانيه ، و إلاّ فهو يطلق على " المقصّر " المخلّد في النار أيضاً . .
لذلك لا مفرّ لهذا الإنسان ـ المكلّف المختار ـ و لا مخلص و لا نجاة له إلاّ بالفحص عن الفرقة الناجية من فرق المسلمين ، و ليس له أن يتعامى عن عمد و يسلك طريق الضلال و الغواية و يرجو مع ذلك النجاة ، كما أنّ البحث الجادّ بين فرق المسلمين في إطار الوحدة لا بُدّ أن يُتحرّى فيه ـ بمقتضى الحديث الشريف و التوصية النبوية ـ عن الحقّ الذي تسلكه الفرقة الناجية لكي تتّبعها بقيّة الفرق ، فإنّ منهاج الهدى لا يرسم بضلال القاصر المستضعف .
و لكي تتمّ الفائدة من هذا الحديث المتواتر ـ حديث الفرقة الناجية ـ الذي أقرّت بمضمونه جلّ فرق المسلمين ، نذكر بعض النقاط التالية :

الأُولى

إنّ الكلام في النجاة في الحديث الشريف هو بحسب الاستحقاق و الامتثال ، لا بحسب الشفاعة و الشفقة الإلهية و الرحمة الواسعة ، أي بحسب ما يلزمه حكم العقل باتّباع الأدلّة و البراهين الشرعية و العقلية الأولية ، فإنّ العقل يوجب التجنّب عن التعرّض للسخط الإلهي و احتمال العقوبة الأُخروية ، و إن لم يكن بين استحقاق العقوبة و وقوعها تلازم ; لاحتمال الشفاعة و نحوها ، فإنّ التعرّض لمثل العقوبة الأُخروية التي أشفقت منها السماوات و الأرض يعدّ من الإلقاء في الهلكة ، هذا فضلا عن الأصناف الأُخرى لحكم العقل من وجوب شكر المنعم و قبح التمرّد و الطغيان على المولى ، و غيرها من أنماط حكم العقل و الفطرة .

الثانية

إنّ المقصود من النجاة في الحديث الشريف هو النجاة من الدخول في النار و من ذوق حريق العذاب ، لا في النجاة من الخلود فيها و من دوام العذاب ; فإنّ آراء المتكلّمين تكاد تتّفق أنّ الخلود للجاحدين و أهل العناد ، سواء كان الجحود في توحيد الذات أو الصفات ، أو في التشريع و الرسالة ، أو في الولاية والإمامة ، أو في الغاية و المعاد ، و نحوها من أُصول الاعتقاد . .
و بعبارة أُخرى : إنّ مفاد الحديث في دخول الجنّة عند الحساب و الميزان ، لا في دخول الجنّة بعد أحقاب من العذاب في النار .

الثالثة

إنّ معذورية أفراد المعذور ـ كما يأتي ـ لا يعني تنجّز نجاته بل هي مرهونة بالمشيئة الإلهية ، و التي فُسّرت في عدّة من الأخبار بالامتحان ، كما لا يعني أنّ مسار هؤلاء هو طريق هدى بل مفروض العذرية تخبّط المعذور في الضلال و الغواية ، فلا تلازم بين العذرية والأمان و لا بينها و بين ضمان النجاة ، و لا بينها و بين اتّخاذ خطأ و ضلال المعذور منهاجاً يتبجّح به . و سيأتي أنّ في الروايات ما يدلّ على أنّه يبيّن الحقّ لأفراد المعذور في امتحان يوم القيامة .

الرابعة

إنّ هناك جملة من الآيات و الأحاديث النبوية المستفيضة و المتواترة الأُخرى الدالّة على مفاد حديث الفرقة الناجية نفسه ، لكن بألفاظ مختلفة و دلالات متعدّدة التزامية و مطابقية . .
منها : " مَن مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية " 7 ; و في بعض الطرق : " و ليس في عنقه بيعه لإمام زمانه " 8 ، و نحو ذلك .
و منها : "مثل أهل بيتي كسـفينة نوح ، مَن ركبها نجا ومَن تركها هلك " 9 .
و منها : ذيل حديث الثقلين ; و مفهومه : " ما إن تمسّكتم بهما فلن تضلّوا أبداً " .
و غيرها من الأحاديث النبوية الواردة في عليّ ( عليه السلام ) و أهل بيته .

الخامسة

قد وردت جملة من الروايات المستفيضة في امتحان أقسام المعذور يوم القيامة ، منها : صحيحة هشام ; عن أبي عبـد الله (عليه السلام) : سُئل عمّن مات في الفترة ـ أي في زمان انقطاع الرسل و غياب الحجّة ـ و عمّن لم يدرك الحنث ـ أي البلوغ ـ و المعتوه ، فقال : " يحتجّ الله عليهم يرفع لهم ناراً فيقول لهم : ادخلوها ، فمَن دخلها كانت عليه برداً و سلاماً ، و من أبى قال : ها أنتم قد أمرتكم فعصيتموني " 10 .
و في صحـيحة أُخرى قال ( عليه السلام ) : " ثلاثة يحتجّ عليهم : الأبكم ، و الطفل ، و من مات في الفترة ، فيرفع لهم نار فيقال لهم : ادخلوها ، فمَن دخلها كانت عليه برداً و سلاماً ، و مَن أبى قال تبارك و تعالى : هذا قد أمرتكم فعصيتموني " 11 .
و في بعض الروايات : " إنّ أولاد المشركين خدم أهل الجنّة " 12 .
و منها : صحـيح زرارة ; قال : سألت أبا جعفر ( عليه السلام ) : هل سئل رسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) عن الأطفال ؟ فقال : " قد سئل فقال : الله أعلم بما كانوا عاملين " . .
ثمّ قال : " يا زرارة ! هل تدري ما قوله الله أعلم بما كانوا عاملين ؟! "
قلت : لا . قال : " لله عزّ و جلّ فيهم المشيئة ; إنّه إذا كان يوم القيامة أُتي بالأطفال ، و الشيخ الكبير الذي قد أدرك السن [ النبيّ ] ولم يعقل من الكبر و الخرف ، و الذي مات في الفترة بين النبيّين ، و المجنون ، و الأبله الذي لا يعقل ، فكلّ واحد يحتجّ على الله عزّ و جلّ ، فيبعث الله تعالى إليهم ملكاً من الملائكة و يؤجّج ناراً فيقول : إنّ ربّكم يأمركم أن تثبوا فيها . فمَن وثب فيها كانت عليه برداً و سلاماً ، و مَن عصاه سبق إلى النار " 13 .
و هناك جملة عديدة من الروايات ، فلاحظها في محالّها 14 ، كما أنّ هناك جملة أُخرى من الروايات دالّة على دخول أطفال المشركين مع آبائهم في النار ، لكنّها محمولة على عصيانهم في الامتحان .
و في رواية لزرارة ، قال : قال أبو جعفر ( عليه السلام ) ـ و أنا أُكلّمه في المستضعفين ـ : " أين ﴿ أَصْحَابُ الأَعْرَافِ … ﴾ ؟! أين المرجون لأمر الله ؟! أين الّذين ﴿ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا … ﴾ ؟! أين ﴿ وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ … ﴾ ؟! أين أهل تبيان الله ؟! أين ﴿ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً ﴾ ؟﴿ فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللّهُ عَفُوًّا غَفُورًا ﴾ 15 " 16 . .
و تعبـيره ( عليه السلام ) عـن أفراد المعـذورين بـ : " أهل تبيان الله " لعلّ المراد به أنّه يبيّن تعالى لهم الهدى من الضلال في الامتحان المقام لهم عند الحساب .

السادسة

هناك جملة أُخرى من الروايات يظهر منها دخول أفراد المعذور إلى الجنّة ، و لكنّها محمولة ومقيّدة بامتحانهم و طاعتهم فيه ، و من ثمّ نجاتهم ، كما تقدّم حمل جملة من الروايات الواردة في دخول أطفال المشركين النار على عصيانهم في الامتحان ; بمقتضى العديد من الروايات المستفيضـة المفصّلة المقيّدة لدخول الجنّة أو النار بالامتحان عند الحساب . .
منها : صحيح زرارة ; قال : دخلت أنا و حمران ـ أو : أنا و بكير ـ على أبي جعفر ( عليه السلام ) ، قال : قلت له : إنّا نمدّ المطمار ؟ قال : " و ما المطمار ؟! " قلت : التُتر ، فمَن وافقنا من علوي أو غيره تولّيناه ، و مَن خالفنا من علوي أو غيره برئنا منه . .
فقال : " يا زرارة ! قول الله أصدق من قولك ; فأين الّذين قال الله عزّ و جلّ : ( إلاّ المستضعفينَ من الرجال والنساء . . . ) ؟! أين المرجون لأمر الله ؟! أين الّذين ( خلطوا عملا صالحاً وآخر سيئاً ) ؟! أين ( أصحاب الأعراف ) ؟! أين ( المؤلّفة قلوبهم ) . . . " .
و زاد فيه جميل ، عن زرارة : فلمّا كثر بيني و بينه الكلام قال : " يا زرارة ! حقّاً على الله أن [ لا ] يدخل الضلاّل الجنّة " 17 ; بناءً على نسخة بدون " لا " النافية . .
و في رواية العيّاشي : " يا زرارة! حقّاً على الله أن يدخلك الجنّة " 18 .
و صدر الرواية قد روي بطرق متعدّدة ، و موردها في الأصل أنّه ( عليه السلام ) سأل زرارة : " متأهّل أنت ؟! " ، فقال : لا . ثمّ ذكر زرارة أنّه لا يستحلّ نكاح هؤلاء فذكر ( عليه السلام ) أنّ المستضعفين لا زالوا على الولاء ، لا ولاء الإيمان بل ولاء ظاهر الإسلام من المناكحة و حلّية ذبيحتهم و . . . ففي رواية لحمران عنه ( عليه السلام ) : " هم من أهل الولاية . . . أما إنّها ليست بولاية في الدين و لكنّها الولاية في المناكحة و الموارثة و المخالطة ، و هم ليسوا بالمؤمنين و لا بالكفّار ، و هم المرجون لأمر الله عزّ و جلّ " 19 .
و الحاصل أنّ هذه الرواية و مثيلاتها محمولة على النجاة ـ و مقيّدة لها ـ بالطاعة عند الامتحان في الحساب مع تبيان الحقّ لهم و اختيارهم له ; لما مرّ من روايات مستفيضة دالّة على ذلك مضافاً إلى كون مثل هذه الروايات متعرّضة إلى أحكام الحياة الاجتماعية مع هؤلاء . .
و مثل هذا التقييد في صحيح ضريس الكناسي : عن أبي جعفر ( عليه السلام ) ، قال : قلت له : جعلت فداك ، ما حال الموحّـديـن المقـرّين بنبوّة محمّـد ( صلى الله عليه و آله و سلم ) من المسلمين المذنبين ، الّذين يموتون و ليس لهم إمام و لا يعرفون ولايتكم ؟
فقال : " أمّا هؤلاء فإنّهم في حفرهم لا يخرجون منها ، فمَن كان له عمل صالح ولم يظهر منه عداوة فإنّه يخدّ له خدّاً إلى الجنّة التي خلقها الله بالمغرب ـ أي البرزخية لا الأُخروية ـ فيدخل عليه الروح في حفرته إلى يوم القيامة حتّى يلقى الله فيحاسبه بحسناته و سيئاته ، فإمّا إلى الجنّة و إمّا إلى النار ، فهؤلاء الموقوفون لأمر الله " . .
قال (عليه السلام) : " و كذلك يفعل بالمستضعفين ، و البله ، و الأطفال ، و أولاد المسلمين الّذين لم يبلغوا الحلم " . . الحديث 20 .
وذيل الرواية صريح في كون حالهم موقوفاً على المشيئة الإلهية ، التي قد فسرت في روايات عديدة بالامتحان ، وحاشا لعدله تعالى أن يدخِل النار بغير موجب .
و مثلها رواية الأعمش ، عن الصادق (عليه السلام) : " أصحاب الحدود فسّاق ، لا مؤمنون و لا كافرون ، و لا يخلدون في النار و يخرجون منها يوما ما ، و الشفاعة لهم جائزة ، و للمستضعفين إذا ارتضى الله دينهم " 21 .
و ذيل هذه الرواية دالّ على التمييز بين " أصحاب الحدود " و بين " المستضعفين " في كون " المستضعفين " لا تجوز لهم الشفاعة حتّى يرتضي الله تعالى دينهم ، أي حتّى يدينوا بالعقائد الحقّة فحينئذ يكونوا على حدّ فسّاق المؤمنين من صلاح العقيدة لكنّهم أساؤوا العمل ; فهي تدلّ على إقامة الامتحان للمستضعفين ، و أنّه بالدرجة الأُولى في تبيان العقائد و الإيمان الحقّ ، كما مرّ في بعض الروايات أنّهم من : " أهل تبيان الله " .
و من جـملة هذا النمط من الروايات : رواية الصباح بن سيابة ، عن أبي عبـد الله ( عليه السلام ) ، قال : " إنّ الرجل ليحبّكم وما يدري ما تقولون فيدخله الله الجنّة ، و إنّ الرجل ليبغضكم و ما يدري ما تقولون فيدخله النار " 22 .
و هذه الرواية تبيّن مدى أهمّية تولّي أولياء الله ، والهلاك في ترك ولايتهم ، و إنّ التولّي والتبرّي منشأه من الأُصول الاعتقادية .
و في بعض الروايات التقييد بمَن أحبّ الشيعة لحبّهم سيّدة نساء العالمين الزهراء فاطمة (عليها السلام) 23 .
و في بعض الروايات الأُخرى أنّ ذلك بعد شفاعة المؤمنين في مَن أحبّهم 24 .
و على أي تقدير﴿ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى … ﴾ 25 ، كما في الآية الكريمة ، و رضاه بارتضاء دينه ، كما مرّ في رواية الأعمش ، و فُسّر بذلك في روايات الشفاعة ، فيدلّ على أنّ الامتحان الذي يقام للمستضعفين و نحوهم من أفراد الضلاّل القاصرين هو في الديانة و اعتناق الإيمان الحقّ .
أمّا كون الشفاعة موردها مَن ارتضى دينه فيدلّ عليه قوله تعالى﴿ إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا ﴾ 26 .
و في آية أُخرى﴿ إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا ﴾ 26 ، و هو شامل للكفر ; لأنّه ضرب من الشرك .
و قد أُطلق الكفر على جحود ولاية خليفة الله في أرضه ، كما في إبليس لعنه الله ، فيعمّ ولاية عليّ ( عليه السلام ) و ولده ( عليهم السلام ) ، كما وردت بذلك روايات عديدة في ذيل الآيتين في تفسيري البرهان و نور الثقلين ، فلاحظها .
و قوله تعالى﴿ لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا ﴾ 27 .
و قوله تعالى﴿ يَوْمَئِذٍ لَّا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا ﴾ 28 ، أي : معتقده .
و كذا قوله تعالى﴿ وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى ﴾ 29 ، فالآية قيّدت المغفرة بالهداية إضافةً إلى الإيمان و العمل الصالح .
فالهداية هي للولاية ; كما عرّفت في آيات عديدة أنّ الهداية الصراطية للإيصال إلى المطلوب هي الولاية و الإمامة ، كما في﴿ إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ﴾ 30 ، و﴿ وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ … ﴾ 31 ، و﴿ اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ ﴾ 32 ، و﴿ أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ﴾ 33 .
و قد وردت روايات مستفيضة في ذيل الآية في بيان ذلك براهيناً ، فلاحظ تفسير البرهان 34 و نور الثقلين 35 ; فمقتضى الآية كون الامتحان و التبيان لأهل الأعذار من الضلاّل مستعقب لهدايتهم بالطاعة .
و يدلّ عليه رواية الحسين بن خالد ، عن الرضا ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن أمير المؤمنين ( عليهم السلام ) ، قال : " قال رسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) : مَن لم يؤمن بحوضي فلا أورده الله حوضي ، و من لم يؤمن بشفاعتي فلا أناله الله شـفاعتي " ، ثمّ قال ( صلى الله عليه و آله و سلم ) : " إنّما شـفاعتي لأهل الكبائر من أُمّتي ، فأمّا المحسنون فما عليهم من سبيل " . .
قال الحسـين بن خالد : فقلت للرضا (عليه السلام) : يا بن رسول الله! فما معنى قول الله عزّ و جلّ﴿ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى … ﴾ 25 ؟ قال : " لا يشفعون إلاّ لمَن ارتضى الله دينه " 36 .
و عمدة الباب ما في صحيحة ابن أبي عمير ; قال : سمعت موسى بن جعفر ( عليه السلام ) يقول : " لا يخلد الله في النار إلاّ أهل الكفر و الجحود ، و أهل الضلال و الشرك ، و من اجتنب الكبائر من المؤمنين لم يسأل عن الصغائر " ، ـ ثمّ ذكر ( عليه السلام ) أنّ الشفاعة لأهل الكبائر من المؤمنين ـ . .
قال ابن أبي عمير : فقلت له : يا بن رسول الله ! فكيف تكون الشفاعة لأهل الكبائر و الله تعالى يقول﴿ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ ﴾ 25 ، و مَن يركب الكبائر لا يكون مرتضىً ؟!
فقال : " يا أبا أحمد ! ما من مؤمن يرتكب ذنباً إلاّ ساءه ذلك و ندم عليه ، و قد قال النبيّ ( صلى الله عليه و آله و سلم ) : كفى بالندم توبةً . و قال : مَن سرّته حسنة و ساءته سيّئة فهو مؤمن ; فمَن لم يندم على ذنب يرتكبه فليس بمؤمن ، ولم تجب له الشفاعة ، و كان ظالماً ، و الله تعالى يقول﴿ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ ﴾ 37 " .
فقلت له : يا بن رسول الله ! و كيف لا يكون مؤمناً مَن لم يندم على ذنب يرتكبه ؟!
فقال : " يا أبا أحمد! ما من أحد يرتكب كبيرة من المعاصي و هو يعلم أنّه سيعاقب عليها إلاّ نـدم على ما ارتكب ، و متى ندم كان تائباً مستحقّاً للشفاعة ، و متى لم يندم عليها كان مصـرّاً ، و المصـرّ لا يُغفر له ; لأنّه غير مؤمن بعقوبة ما ارتكب ، و لو كان مؤمناً بالعقوبة لندم ، و قد قال النبيّ ( صلى الله عليه و آله و سلم ) : لا كبيرة مع الاستغفار و لا صغيرة مع الإصرار . .
و أمّا قول الله﴿ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى … ﴾ 25 ، فإنّهم لا يشفعون إلاّ لمَن ارتضى الله دينه ، و الدين الإقرار بالجزاء على الحسنات و السيّئات ، و مَن ارتضى الله دينه ندم على ما يرتكبه من الذنوب ; لمعرفته بعاقبته في القيامة " 38 ، فإنّه استدلال عقلي لتقييد الشفاعة بمَن ارتضى الله دينه و هو المؤمن ، و أنّ الضالّ القاصر لا تناله الشفاعة إلاّ بعد التبيان و الامتحان و تعرّفه على حقائق الإيمان فينخرط في زمرة المؤمنين .
و نظير الروايات المتقدّمة : ما رواه الصدوق بسنده عن أبي عبـد الله ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن عليّ ( عليهم السلام ) ، قال : " إنّ للجنّة ثمانية أبواب . . . و باب يدخل منه سائر المسلمين ممّن يشهد أن لا إله إلاّ الله ولم يكن في قلبه مقدار ذرّة من بغضنا أهل البيت " 39 .
فإنّ غاية دلالتها : على عدم خلودهم في النار ، و لا تنافي ما دلّ على امتحانهم و توقّف دخولهم الجنّة على إطاعتهم بالإيمان ، كما لا تنافي ما دلّ على دخولهم النار حقبة لتطهيرهم ثمّ دخولهم الجنّة ; فهناك فرق بين الخلود في النار و بين الدخول فيها و لو لحقبة منقطعة الأمد ، و كذلك بين الدخول في الجنّة ابتداءً و بين الدخول فيها لاحقاً ، فحساب الأكثرية و الأقلية من الناجين يختلف بحسب المقامين ، و قـد ورد عنهم ( عليهم السلام ) : " الناجون من النار قليل ; لغلبة الهوى و الضلال " 40 ، و الرواية ناظرة للنجاة من النار لا النجاة من الخلود فيها ، و قد تقدّم في حديث الكاظم ( عليه السلام ) أنّ طوائف المخلّدين أربع و ما عداهم لا يخلد .

السابعة

قد دلّت الآيات و الروايات المتواترة على أنّ قبول الأعمال مشروط ، و صحّتها كذلك مشروطة بعدّة شرائط ، لا يثاب العامل على عمله إلاّ بها ، و إلاّ يكون مردوداً بالنسبة إلى الثواب الأُخروي ، لا سيّما مثل الدخول في الجنّة ، بل الأدلّة دالّة على أنّ صحّة الاعتقادات مشروطة بالولاية ، نظير قوله تعالى المتقدّم﴿ وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى ﴾ 29 ، فقد قيّد الإيمان و العمل الصالح بالهداية ; فإنّ المغفرة ـ و هي النجاة من العقوبة ـ إذا كانت مقيّدة فكيف بالمثوبة ؟!
و قوله تعالى﴿ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ﴾ 41 ، و الغاية في تعبير الآية : أنّه قد قيّد القبول ليس بوصف العمل بالتقوى بل بوصف العامل بذلك ، و الصفة لا تصدق إلاّ مع تحقّقها في مجمل الأعمال و أركانها ، و هي العقائد الحقّة .
و كذا قوله تعالى﴿ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ﴾ 42 ، فجعل تعالى أعمال إبليس كلّها هباءً منثوراً باستكباره على وليّ الله و عدم إطاعته لخليفة الله بتولّيه ، بل الملاحظ في واقعة إبليس ـ التي يستعرضها القرآن الكريم في سبع سور ـ أنّ كفره لم يكن شركاً بالذات الإلهية و لا بالصفات و لا بالمعاد و لا بالنـبوّة ، بل هو جحود لإمامة و خلافة آدم ( عليه السلام ) ، فلم يقبل الله تعالى اعتقاد إبليس ، كما لم يقبل أعماله ، و أطلق عليه الكفر بدل التوحيد . .
و السرّ في ذلك أنّ ذروة التوحيد و سنامه و مفتاحه و بابه هو التوحيد في الولاية ; فإنّ اليهود قائلون بالتوحيد في الذات و المعاد و هو توحيد الغاية ، و بالتوحيد في التشريع و هو النبوّة ، إلاّ أنّهم كافرون بالتوحيد في الولاية ; إذ قالوا﴿ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ … ﴾ 43 ، فإنّهم حجبوا الذات الإلهية عن التصرّف في النظام البشري ، و قالوا بأنّ البشر مختارين في نظامهم الاجتماعي السياسي ، و أنّ الحاكمية السياسية ليست لله تعالى . .
و إنّك و إن أجهدت و أتعبت نفسك فلن تجد ديناً و مذهباً يعتقد بحاكمية الله تعالى السياسية و التنفيذية كحاكميته تعالى في التشريع و القانون ، كما كان حال حكومة الرسول ( صلى الله عليه و آله و سلم ) و سيرته السياسية ، التي يستعرضها القرآن الكريم ; فإنّ الحاكم السياسي الأوّل في حكومته ( صلى الله عليه و آله و سلم ) كان هو الباري تعالى في المهمّات والمنعطفات في التدبير السياسي والعسكري والقضائي ، وقد اختفت حاكمية الله تعالى هذه في عهد الخلفاء الثلاثة ثمّ عاودت الظهور في عهد الأمير (عليه السلام) ، فإنّ أئمّة أهل البيت ( عليهم السلام ) محالّ مشيئة الله تعالى و إراداته ، فتصرّفاتهم منوطة بإرادته المتنزّلة عليهم .
فهذه الحاكمية التوحيدية لا تجد لها أثراً في مذاهب المسلمين ، فضلا عن الأديان الأُخرى المحرّفة ، سوى مذهب أهل البيت ( عليهم السلام ) ، فمن ثمّ كانت الإمامة و الولاية هي مظهر و مجلى التوحيد في الولاية ، و كان الاعتقاد بها هو كمال التوحيد و ذروته و سنامه ; إذ أنّ تجميد التوحيد في الذات أو في الصفات أو في التشريع أو في المعاد ـ إنّ إليه الرجعى والمنتهى ـ تعطيل له ، و لا تظهر ثمرته إلاّ بظهوره في الولاية و الحاكمية في مسـيرة البشـر .
و يمكن ملاحظة اشتراط الولاية في صحّة الاعتقاد ، فضلا عن الأعمال ، في جلّ الآيات الواردة في ولاية أهل البيت (عليهم السلام) ، و كذلك في كثير من الروايات . .

أمّا الآيات

فنظير قوله تعالى﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ﴾ 44 .
فإنّه تعالى قد نفى تبليغ الرسالة ـ من الأساس ـ مع عدم إبلاغ ولاية عليّ ( عليه السلام ) للناس ، و هو يقتضي عدم الاعتداد بتوحيد الناس للذات الإلهية و بإقرارهم بالمعاد و النبوّة من دون ولاية عليّ ( عليه السلام ) ، أي أنّ التوحيد في جميع أبوابه و أركانه وحدة واحدة : توحيد الذات ، و توحيد الغاية و الخلوص ، و توحيد التشريع ، و توحيد الولاية .
و لازم الكفر و الإشراك في مقام من مقامات التوحيد هو الكفر و الإشراك الخفي المبطّن في بقية المقامات ، و ذيل الآية صريح في ترتّب الكفر على ذلك في مقابل الإيمان ، لا ما يقابل ظاهر الإسلام ; إذ الظاهر مترتّب على الإقرار بالشهادتين لساناً .
و نظير قوله تعالى﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا … ﴾ 45 .
فإنّ الإكمال يستعمل في تحوّل الشيء في الأطوار النوعية من نوع إلى نـوع ، و الإتمام يسـتعمل في انضمام الأجزاء الخارجية بعضها إلى بعض ، ففي التعبير عناية فائقة في كون الدين لم يكتمل طوره النوعي التام إلاّ بالولاية ، و أمّا النعمة الدنيوية فلا تتمّ أجزاءها إلاّ بها أيضاً ، و إن كان للأجزاء قوام مستقلّ ، كمَن امتنع عن المحرّمات و الفواحش فإنّه يتنعّم بالوقاية من مفاسدها الدنيوية ، و هذا ممّا يبيّن الاختلاف الماهوي بين الإسلام في ظاهر اللسان و بين الإيمان في مكنون القلب و مقام العمل و هو الإسلام بوجوده الحقيقي .
ثمّ إنّ في الآية تقييد رضا الربّ بكون الإسلام ديناً بالولاية ، فالإسلام من توحيد الذات و التشريع ( النبوّة ) و المعاد و توحيد الغاية معلّق رضا الربّ به بشرطية الولاية ، فضلا عن العمل بفرائض الفروع .
و نظير ذلك : ما في سورة الحمد ( الفاتحة ) . .
فالمصلّي عندما يقرّ لربّه في النصف الأوّل من السورة بالتوحيد في الذات ﴿ الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ 46 ، و الصفات ﴿ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ﴾ 47 ، و في الغاية و المعاد ﴿ مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾ 48 ، و في التشريع ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ 49 في جميع الأُمور في الحياة الفردية و الاجتماعية ; فإنّه يعود في النصف الثاني من السورة ليطلب الهداية إلى الصراط المستقيم ﴿ اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ ﴾ 50 .
فإنّ كلّ ما تقدّم من إقراره و تسليمه بالعقائد الحقّة لم يكفه حتّى يثمر ذلك في طيّه صراط التوحيد المستقيم ، و هو صراط ثلّة في هذه الأُمّة و مجموعة موصوفة بثلاث صفات﴿ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ … ﴾ 51 أي منعم عليهم بنعمة خاصّة لهم دون سائر الأُمّة و هي نعمة الاصطفاء و الاجتباء ، كما في الاستعمال القرآني لاصطفاء الأنبياء و الأوصياء .
وفي هذه الأُمّـة قد أنعم الباري تعالى على أهل البيت ( عليهم السلام ) قربى النبيّ ( صلى الله عليه و آله و سلم ) بالتطهير الخاص بهم ، و أنّهم الّذين يمسّـون و يصلون إلى الوجود الغيبي العلوي للقرآن في الكتاب المكنون في اللوح المحفوظ .
و الصفة الثانية﴿ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ … ﴾ 51 ، و هي العصمة العملية ، فلا يغضبون ربّهم قطّ .
و الصفة الثالثة﴿ وَلاَ الضَّالِّينَ ﴾ 51 ، و هي العصمة العلمية . .
فجعل الولاية لهؤلاء ثمرة لإقرار المصلّي بالتوحيد في المواطن الأربعة في النصف الأوّل من السورة .
و نظير ذلك قوله تعالى﴿ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى … ﴾ 52 .
فإنّه جعل مودّة و اتّباع و تولّي قربى النبيّ ( صلى الله عليه و آله و سلم ) عدل كلّ الرسالة المتضمّنة لتوحيد الذات و الصفات و التشريع و الغاية لبيان أنّ توحيد الولاية هو ثمرة التوحيد في سائر المقامات ، و هو الذروة والسنام ، و قد أشار إلى ذلك أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في وصفه للمسلمين بعد رسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) أنّهم : " أخذوا بالشجرة و ضيّعوا الثمرة " 53 .
وكذلك سائر الآيات الواردة في ولايتهم (عليهم السلام) تبيّن هذه الحقيقة الدينية . .

و أمّا الروايات

فقد روى الفريقان مستفيضاً عنه ( صلى الله عليه و آله و سلم ) ، أنّه قال : " لو أنّ عبـداً عبـد بين الركن و المقام ألف عام ثمّ ألف عام ولم يحبّنا أهل البيت أكبّه الله على منخريه في النار " 54 .
و أخرج الطبراني في الأوسط ، أنّه ( صلى الله عليه و آله و سلم ) قال : " الزموا مودّتنا أهل البيت ، فإنّه من لقى الله عزّ و جلّ و هو يودّنا دخل الجنّة بشفاعتنا ، و الذي نفسي بيده لا ينفع عبـداً عمله إلاّ بمعرفة حقّنا " 55 .
و في كثير من طرق العامّة : " و كان مبغضاً لعليّ بن أبي طالب و أهل البيت [ أو : آل محمّـد ] أكبّه . . . " 56 .
نعم ، في غالب الطرق الوارد فيها : " مبغضاً " جعل الجزاء دخول النار ، و في الطرق الوارد فيها : " عدم محبّتهم " ، أو : " عدم معرفتهم " ، أو : " عدم ولايتهم " جعل الجزاء عدم قبول عمله و صيرورته هباءً منثوراً .
و هكذا فـي طرقنا ; ففي صـحيح محمّـد بن مسلم ، قال : سمعت أبا جعفر ( عليه السلام ) يقول : " كلّ مَن دان الله عزّ و جلّ بعبادة يجهد فيها نفسه و لا إمام له من الله فسعيه غير مقبول ، و هو ضالّ متحيّر ، و الله شانئ لأعماله . . . و إن مات على هذه الحال مات ميتة كفر و نفاق . .
و اعلم يا محمّـد! إنّ أئمّـة الجـور و أتباعهم لمعزولون عن دين الله قد ضـلّوا و أضـلّوا ، فأعمالهم التي يعملونها ﴿ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لاَّ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُواْ عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلاَلُ الْبَعِيدُ ﴾ 57 " 58 .
و في رواية عبد الحميد بن أبي العلاء عن أبي عبـد الله ( عليه السلام ) في حديث ، قال : " والله لو أنّ إبليس سجد لله بعد المعصية و التكبّر عمر الدنيا ما نفعه ذلك ، و لا قبله الله عزّ و جلّ ; ما لم يسجد لآدم كما أمره الله عزّ وجلّ أن يسجد له ، وكذلك هذه الأُمّة العاصية ، المفتونة بعد نبيّها ( صلى الله عليه و آله و سلم ) ، وبعد تركهم الإمام الذي نصّبه نبيّهم ( صلى الله عليه و آله و سلم ) لهم ، فلن يقبل الله لهم عملا ، و لن يرفع لهم حسنة ، حتّى يأتوا الله من حيث أمرهم ، و يتولّوا الإمام الذي أُمروا بولايته ، و يدخلوا من الباب الذي فتحه الله ورسوله لهم " . .
و في رواية ميسر : " ثمّ لقى الله بغير ولايتنا لكان حقيقاً على الله عزّ وجلّ أن يكبّه على منخريه في نار جهنّم " 59 .
و في رواية أُخرى : " ولم يعرف حقّنا وحرمتنا أهل البيت لم يقبل الله منه شيئاً أبداً " 60 ، و مثلها رواية المفضّل 61 .
و في صحيح آخر لمحمّـد بن مسلم ، عن أحدهما ( عليه السلام ) ، قال : قلت : إنّا لنرى الرجل له عبادة و اجتهاد و خشوع و لا يقول بالحقّ ، فهل ينفعه ذلك شيئاً ؟!
فقال : " يا أبا محمّـد ! إنّـما مثل أهل البيت مثل أهل بيت كانوا في بني إسرائيل ، كان لا يجتهد أحد منهم أربعين ليلة إلاّ دعا فأُجيب ، وإنّ رجلا منهم اجتهد أربعين ليلة ثمّ دعا فلم يستجب له ، فأتى عيسى بن مريم ( عليه السلام ) يشكو إليه ما هو فيه ويسأله الدعاء ، قال : فتطهّر عيسى و صلّى ثمّ دعا الله عزّ وجلّ ، فأوحى الله عزّ وجلّ إليه : يا عيسى بن مريم ! إنّ عبدي أتاني من غير الباب الذي أُوتى منه ، إنّه دعاني و في قلبه شكّ منك ، فلو دعاني حتّى ينقطع عنقه وتنتثر أنامله ما استجبت له . قال : فالتفت إليه عيسى ( عليه السلام ) فقال : تدعو ربّك وأنت في شكّ من نبيّه ؟! فقال : يا روح الله وكلمته! قد كان والله ما قلت ، فادع الله لي أن يذهب به عنّي . قال : فدعا له عيسى ( عليه السلام ) فتاب الله عليه و قبل منه و صار في حدّ أهل البيت " 62 .
و قد جعل تعالى مودّة ذوي القربى سبيلا إليه فقال﴿ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَن شَاء أَن يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا ﴾ 63 ، و قد قال تعالى﴿ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ … ﴾ 64 ، فلم يكن التعبير : " فابتغوه " بل﴿ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ … ﴾ 64 ، و قال تعالى﴿ وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا … ﴾ 65 ، فجعل الأسماء أبواباً لدعوته ، و الاسم آية للمسمّى و ليس عينه .

الثامنة

في تحديد معنى المستضعف و ذوي العذر من الضلاّل القصّر ; فقد وردت عدّة آيات في تحديده :
في قوله تعالى﴿ إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللّهُ عَفُوًّا غَفُورًا ﴾ 66 ، فالآية تعدّد عدم قدرتهم على الوسيلة ، و عدم دركهم السبيل إلى الحقّ .
و قوله تعالى﴿ وَآخَرُونَ اعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ 67 .
و قوله تعالى﴿ وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ 68 .
فالآية الأُولى من البراءة تحدّده بالاعتراف بالذنوب ، و هذا نوع و نمط من التوبة و الإيمان بالحقّ و الإعراض عن الضلال .

و وردت أيضاً روايات عديدة في تحديده

في رواية ابن الطيّار عن أبي جعفر ( عليه السلام ) ، قال : سألته عن المستضعف ، فقال : " هو الذي لا يستطيع حيلة الكفر فيكفر ، و لا يهتدي سبيلا إلى الإيمان فيؤمن ، لا يستطيع أن يؤمن و لا يستطيع أن يكفر ، فهم الصبيان ، و مَن كان من الرجال و النساء على مثل عقول الصبيان ، و من رُفع عنه القلم " 69 .
و روى أيضاً ، قال : قال أبو عبـد الله ( عليه السلام ) : " المرجون لأمر الله قوم كانوا مشركين قتلوا حمزة و جعفر و أشباههما من المؤمنين ثمّ دخلوا بعده في الإسلام ، فوحّدوا الله و تركوا الشرك ، ولم يعرفوا الإيمان بقلوبهم فيكونوا من المؤمنين فتجب لهم الجنّة ، ولم يكونوا على جحودهم فتجب لهم النار ، فهم على تلك الحالة مرجون لأمر الله إمّا يعذّبهم و إمّا يتوب عليهم " 70 .
و ظاهر الرواية الثانية أنّ " المُرجأ " هو الذي أسلم ولم يؤمن ، نظير قوله تعالى﴿ قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ … ﴾ 71 .
و روى الحلبي عن أبي عبـد الله ( عليه السلام ) ، قال : " الناس على ستّ فرق : مستضعف ، و مؤلّف ، و مرجى ، و معترف بذنبه ، و ناصب ، و مؤمن " 72 .
و روى عبـد الغفّار الجازي عن أبي عبـد الله ( عليه السلام ) ، قال : " إنّ المستضعفين ضروب يخالف بعضهم بعضاً ، و مَن لم يكن من أهل القبلة ناصباً فهو مستضعف " 73 .
و هذه الرواية تبيّن أنّ القصور على درجات عديدة ، شـدّة و ضعفاً ، و هو هكذا عقلا ، و الضابطة فيه : أن لا يكون ناصباً ، و هي تشير إلى اشتراط انتفاء درجات نصب العداء التي قد فسّرت في روايات عديدة بأنّ منها : معاداة الشيعة لكونهم أتباع أهل البيت ( عليهم السلام ) ، و منها : تولّي أصحاب السقيفة و الائتمام بهم ، ومنها : بغض أهل البيت قلباً وإن لم يكن لساناً ، ومنها : إنكار و جحد فضائل أهل البيت ( عليهم السلام ) ، و ستأتي الروايات في ذلك .
و في رواية سفيان بن السمط ، قال : قلت لأبي عبـد الله ( عليه السلام ) : ما تقول في المستضعفين ؟ فقال لي شبهاً بالمفزّغ : " و تركتم أحداً يكون مستضعفاً ؟! و أين المستضعفون؟! فو الله لقد مشى بأمركم هذا العواتق إلى العواتق في خدورهنّ ، و تحدّث به السقايات بطرق المدينة " 74 .
و روى عمرو بن إسحاق ، قال : سئل أبو عبـد الله ( عليه السلام ) : ما حدّ المستضعف الذي ذكره الله عزّ وجلّ؟ قال : " مَن لا يحسن سورة من القرآن وقد خلقه الله عزّ وجلّ خلقة ما ينبغي له أن لا يحسن " 75 ; و الحدّ في هذه الرواية من هو متخلّف عقلياً .
و في رواية حمران ، قال سألت أبا عبـد الله ( عليه السلام ) عن قول الله عزّ وجلّ : ( إلاّ المستضعفين )؟ قال : " هم أهل الولاية " ، قلت : و أي ولاية؟! فقال : " أما إنّها ليست بولاية في الدين و لكنّها الولاية في المناكحة و الموارثة و المخالطة ، و هم ليسوا بالمؤمنين و لا بالكفّار ، و هم المرجون لأمر الله عزّ و جلّ " 76 .
و روى سليمان بن خالد ، قال : سألت أبا عبـد الله ( عليه السلام ) عن قول الله عزّ وجلّ : ( إلاّ المستضعفين من الرجال والنساء والولدان ) . . الآية؟ قال : " يا سليمان! في هؤلاء المستضعفين مَن هو أثخن رقبة منك ، المستضعفون قوم يصومون ويصلّون ، تعفّ بطونهم وفروجهم ، لا يرون أنّ الحقّ في غيرنا [ غيرها ] آخذين بأغصان الشجرة ، ( فأُولئك عسى الله أن يعفوَ عنهم ) ; إذ كانوا آخذين بالأغصان وإن لم يعرفوا أُولئك ، فإن عفى عنهم فبرحمته ، وإن عذّبهم فبضلالتهم عمّا عرّفهم " 77 .
و على نسخة : " غيرها " ; يكون المعنى : لا يرون أنّ الحقّ في غير الأعمال الصالحة ، كالصوم و الصلاة و العفّة ، و لا يعرفون حقائق الإيمان و الولاية ، فعسى أن يعفو الله تعالى عنهم بأخذهم بتلك الأعمال و بعد امتحانهم ـ كما تقدّم في مستفيض الروايات ـ و إن لم يعرفوا أُولئك أصحاب السقيفة بالباطل ، فإن عفى عنهم بعد الامتحان فبرحمته ، و إن عذّبهم فبضلالتهم عن حقيقة الإيمان التي عرّفها لهم ، و مَن هو أثخن رقبة منك ، أي الساذج البله . .
و على نسخة : " غيرنا " ; أي : لا يرون أنّ الحقّ في غيرنا ، و لكنّهم لم يعرفوا أصحاب السقيفة بالباطل ، فلديهم تولّي و لكن ليس لديهم تبرّي .
و في موثّق سليمان بن خالد عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال : سألته عن المستضعفين؟ فقال : " البلهاء في خدرها والخادم تقول لها : صلِّ فتصلّي لا تدري إلاّ ما قلت لها ، و الجليب المجلوب ، وهو الخادم الذي لا يدري إلاّ ما قلت له ، والكبير الفاني ، والصبي الصغير ، هؤلاء المستضعفين ، فأمّا رجل شديد العنق ، جدل خصم ، يتولّى الشراء و البيع ، لا تستطيع أن تغبنه في شيء تقول : هذا مستضعف؟! لا و لا كرامة " 78 .
و روى الصدوق عن أبي عبـد الله (عليه السلام) ، قال : " مَن عرف الاختلاف فليس بمستضعف " 79 ، و في رواية أبي بصير : " مَن عرف اختلاف الناس . . . " 80 .
و في رواية سليم بن قيس في جواب أمير المؤمنين (عليه السلام) للأشعث بن قيس ; قال الأشعث ـ رأس الفتنة ـ : والله لئن كان الأمر كما تقول لقد هلكت الأُمّة غيرك و غير شيعتك ؟!
قال : " فإنّ الحقّ والله معي يا ابن قيس كما أقول ، و ما هلك من الأُمّة إلاّ الناصبين و المكابرين و الجاحدين و المعاندين ، فأمّا من تمسّك بالتوحيد و الإقرار بمحمّـد و الإسلام ، ولم يخرج من الملّة ، ولم يظاهر علينا الظلمة ولم ينصب لنا العداوة ، و شكّ في الخلافة ولم يعرف أهلها وولاتها ، ولم يعرف لنا ولاية ولم ينصب لنا عداوة ، فإنّ ذلك مسلم مستضعف يرجى له رحمة الله و يُتخوّف عليه ذنوبه " 81 . .
فذكر (عليه السلام) للمستضعف تسعة قيود لفظاً قد ترجع خمسة منها إلى أن لا يتوالى أعداء أهل البيت ، و الغاصبين للخلافة ، و يكون شاكّاً ، و لا يظاهر عليهم النصّاب .
و روى في مستطرفات السرائر مسائل محمّـد بن على بن عيسى مكاتبة لمولانا أبي الحسن الهادي (عليه السلام) ، قال : كتبت إليه أسأله عن الناصب ، هل أحتاج في امتحانه إلى أكثر من تقديمه الجبت و الطاغوت و اعتقاده بإمامتهما؟! فرجع الجواب : " مَن كان على هذا فهو ناصب " 82 .
و روى في العلل ، بسنده إلى عبـد الله بن سنان ، عن الصادق (عليه السلام) ، قال : " ليس الناصب من نصب لنا أهل البيت ; لأنّك لا تجد رجلا يقول : أنا أبغض محمّـداً و آل محمّـد ، ولكنّ الناصب مَن نصب لكم و هو يعلم أنّكم تتولّونا وأنّكم من شيعتنا " 83 .
و روى المعلّى بن الخنيس ، قال : سمعت أبا عبـد الله (عليه السلام) يقول : " ليس الناصب مَن نصب لنا أهل البيت ، لأنّك لا تجد أحداً يقول : أنا أبغض محمّـداً و آل محمّـد ، و لكنّ الناصب مَن نصب لكم و هو يعلم أنّكم تتولّونا و تتبرؤون من أعدائنا " 84 .
و روي في الأمالي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) ، قال : " من سرّه أن يعلم أمحبّ لنا أم مبغض؟! فليمتحن قلبه ، فإن كان يحبّ وليّاً لنا فليس بمبغض لنا ، و إن كان يبغض وليّاً لنا فليس بمحبّ لنا " 85 .
و روي في تفسير العسكري عن السجّاد ـ عليهما السلام ـ قال : " قال رسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) : ما من عبد و لا أمَة زال عن ولايتنا ، و خالف طريقتنا ، و سمّى غيرنا بأسمائنا و أسماء خيار أهلنا ، الذي اختاره الله للقيام بدينه و دنياه ، و لقّبه بألقابنا ، و هو كذلك يلقّبه معتقداً ، لا يحمله على ذلك تقّية خوف ، و لا تدبير مصلحة دين ، إلاّ بعثه الله يوم القيامة و مَن كان قد اتّخذه من دون الله وليّاً و حشر إليه الشياطين الّذين كانوا يغوونه فقال له : يا عبدي! أربّاً معي هؤلاء كنت تعبد ؟! و إيّاهم كنت تطلب ؟! فمنهم فاطلب ثواب ما كنت تعمل ، لك معهم عقاب إجرامك " 86 .
فيتحصّل أنّ الناصب على أقسام والمستضعف على درجات ، كلّها خارجة عن التقصير ، و لا يندرج فيه الموالي لأئمّة الضلال ، و من ثمّ روي عنهم (عليهم السلام) : " الناجون من النار قليل ; لغلبة الهوى و الضلال " 87 ، و مفاده : في النجاة من النار ، لا النجاة من الخلود ، و بينهما بون كما مرّ .

التاسـعة

إنّ شرطية النجاة بالولاية لا تعني التواكل في العمل ، و إنّما تعني أهمّية الولاية و أهمّية هذا المقام التوحيدي ، فإنّ روح العمل و قوامه بالنيّة ; قال ( صلى الله عليه و آله و سلم ) : " إنّما الأعمال بالنيّات " 88 ، و قال ( صلى الله عليه و آله و سلم ) : " نيّة المؤمن خير من عمله " 89 .
و قد روى العسكري (عليه السلام) ، عن آبائه (عليهم السلام) ، عن رسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) ، أنّه قال لبعض أصحابه ذات يوم : يا أبا عبـد الله! أحبّ في الله و أبغض في الله ، و والِ في الله و عادِ في الله ; فإنّه لا تنال ولاية الله إلاّ بذلك ، و لا يجد رجل طعم الإيمان و إن كثرت صلاته و صيامه حتّى يكون كذلك ، و قد صارت مؤاخاة الناس يومكم هذا أكثرها في الدنيا ، عليها يتوادّون و عليها يتباغضون ، و ذلك لا يغني عنهم من الله شيئاً " 90 .
فكما أنّ أهمّية الولاية لا تعني التفريط في العمل و التهاون فيه ، فكذلك صلاح العمل في صورته و قالبه لا يعني التفريط بالولاية و الإيمان ، إذ أنّ الولاية لهم (عليهم السلام) هي توحيد الولاية له تعالى و إخلاص له في التولّي .
و من ثمّ أكّدت عدّة آيات وروايات على خواء العمل بدونها ، و إنّه هباءً منثوراً ; قال تعالى﴿ مَّثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لاَّ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُواْ عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلاَلُ الْبَعِيدُ ﴾ 91 .
و قال﴿ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا ﴾ 92 .
و قال﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا … ﴾ 93. .
و قال﴿ وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ﴾ 94 .
و قال﴿ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ ﴾ 95 .

العاشـرة

إنّ مفاد الحـديث النبوي المعروف بين الفريقـين بـ : " حديث الفرقة الناجية " هو الدعوة لتمييزها و معرفتها كي تُتّبع ، و النهي عن اتّباع غيرها ، و عن التوقّف و التبلبل و الحيرة و الاضطراب . .
روى الشيخ المفيد بسنده عن سلمان رضي الله عنه ، يقول : قال رسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) : " تفترق أُمّتي ثلاث فرق : فرقة على الحقّ لا ينقص الباطل منه شيئاً ، يحبّونني و يحبّون أهل بيتي ، مثلهم كمثل الذهب الجيّد كلّما أدخلته النار فأوقدت عليه لم يزده إلاّ جودة ، و فرقة على الباطل لا ينقص الحقّ منه شيئاً ، يبغضونني ويبغضون أهل بيتي ، مثلهم مثل الحديد كلّما أدخلته النار فأوقدت عليه لم يزده إلاّ شرّاً ، وفرقة مدهدهة ، على ملّة السامري ، لا يقولون : لا مساس ، لكنّهم يقولون : لا قتال ، إمامهم عبـد الله بن قيس الأشعري " 96 . .
و يشير ( صلى الله عليه و آله و سلم ) إلى اضطراب الفرقة الثالثة ، و أنّ شعارهم : " لا قتال " ، أي : لا فيصلة بين الحقّ عن الباطل ، و يمزجون المذاهب و المسارات ، مدهدهة البصيرة 97 .
و روي ذلك عن أمير المؤمنين (عليه السلام) ، إلاّ أنّه وصف الفرقة المذبذبة بأنّها شـرّ الفرق ; فقال : " إنّ هذه الأُمّـة تفترق على ثلاث و سبعين فرقة ، فرقة واحـدة منها في الجـنّة و اثنتان و سـبعون في النار ، و شرّها فأبغضها إلى الله و أبعـدها منه السامـرة ، الّذين يقولون : " لا قتال " و كذبوا ، و قد أمر الله عزّ و جلّ بقتال هؤلاء الباغين في كتابه و سُـنّة نبيّه ، و كذلك المارقة " 98 .
و روى في كشف الغُمّة أنّ عليّ بن الحسين (عليه السلام) قال : " قد انتحلت طوائف من هذه الأُمّة ـ بعد مفارقتها أئمّة الدين و الشجرة النبوية ـ إخلاص الديانة وأخذوا أنفسهم في ضحائل الرهبانية و . . . حتّى إذا طال عليهم الأمد وبعدت عليهم الشقّة و امتحنوا بمحن الصادقين رجعوا على أعقابهم ناكصين . . . و ذهب آخرون إلى التقصير في أمرنا ، و احتجّوا بمتشابه القرآن ، فتأوّلوا بآرائهم ، و اتّهموا مأثور الخبر ممّا استحسنوا ، يقتحمون في أغمار الشبهات و دياجير الظلمات بغير قبس نور من الكتاب ، و لا أثرة علم من مظانّ العلم ، بتحذير مثبطين زعموا أنّهم على الرشد من غيّهم . .
و إلى مَن يفزع خلف هذه الأُمّة ، و قد درست أعلام الملّة ، و دانت الأُمّة بالفرقة و الاختلاف يكفّر بعضهم بعضاً ، و الله تعالى يقول﴿ وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ … ﴾ 99 ؟! فمَن الموثوق به على إبلاغ الحجّة وتأويل الحكمة ، إلاّ أهل الكتاب وأبناء أئمّة الهدى ومصابيح الدجى؟! . . . " 100 .

الحادية عشـرة

إنّ جملة من أتباع الشيخين قد ذهبوا إلى وجود النصّ من النبيّ ( صلى الله عليه و آله و سلم ) عليهما . .
قال التفتازاني : المبحث الرابع : الجمهور على انّه (صلّى الله عليه [ وآله ] و سلّم) لم ينصّ على إمام ، و قيل : نصّ على أبي بكر (رض) نصّاً خفيّاً ، و قيل : جليّاً .
و قالت الشيعة : على عليّ (كرّم الله وجهه) خفيّاً ، و الإمامية منهم : جليّاً أيضاً 101 . انتهى .
و قال في شرح كلامه السابق : ذهب جمهور أصحابنا و المعتزلة و الخوارج إلى أنّ النبيّ صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم لم ينصّ على إمام بعده ، وقيل : نصّ على أبي بكر ; فقال الحسن البصري : نصّاً خفيّاً ، وهو تقديمه إيّاه في الصلاة ، وقال بعض أصحاب الحديث : نصّاً جليّاً 102 .
ثمّ إنّ التفتازاني يناقض نفسه ; فمع إنكاره للقول بالنصّ يستدلّ على إمامة أبي بكر بالنصّ!!
قال : المبحث الخامس : الإمام بعد رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ]و سلّم أبو بكر ، و قالت الشيعة : عليّ .
لنا إجماع أهل الحلّ و العقد . . . و قد يتمسّك بقوله تعالى﴿ قُل لِّلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ … ﴾ 103 . . الآية ، فالداعي المفترض الطاعة أبو بكر عند المفسّرين !! و عمر عند البعض !! و فيه المطلوب ، و بقوله صلّى الله عليه [ و آله ] و سلّم : اقتدوا باللّذين من بعدي : أبي بكر و عمر . . . ثمّ قال : يأبى الله و المسلمون إلاّ أبا بكر . . . و بأنّ النبيّ صلّى الله عليه [ و آله ] و سلّم استخلفه في الصلاة ولم يعزله . . . و هذه ظنّيات ربّما تفيد باجتماعها القطع ، مع أنّ المسألة فرعية يكفي فيها الظنّ 104 .
و استدل في موضع آخر بعدّة نصوص رووها في فضائل أبي بكر و عمر 105 .
ثمّ إنّ التفتازاني ـ ككثير من متكلّمي و محدّثي أهل سُـنّة الجماعة ـ عقد بحثاً آخر مستقلاًّ في ذيل الإمامة ، و هو البحث عن الأفضلية في هذه الأُمّة لمَن ؟! و ترتيبها و أدلّتها . .
قال : المبحث السادس : الأفضلية عندنا بترتيب الخلافة ، مع تردّد فيما بين عثمان و عليّ (رضي الله عنه) ، و عند الشيعة و جمهور المعتزلة الأفضل عليّ . لنا أجمالا 106 .
و كذلك لاحظ الأيجي في المواقف ، و الشريف الجرجانى في شرحها في المرصد الرابع ، فإنّهما مع نفيهما للنصّ قالا في جواب النصوص على إمامة عليّ (عليه السلام) : " هذه النصوص معارضة بالنصوص الدالّة على إمامة أبي بكر ، و هي من وجوه : الأوّل : قوله تعالى : . . . " ، ثمّ استدلّ بعدّة آيات قرآنية و نصوص روائية 107 .
كما أنّه في المقصد الخامس من المرصد الرابع عقد البحث في الأفضلية .
هذا ، و الإمعان في كلماتهم في عدالة الصحابة و فضائلهم ، و بالخصوص أصحاب السقيفة ، و بالأخصّ الشيخين ، يدلّ بوضوح على أنّهم يستدلّون بها بنحو يوازي الاستدلال بالعصمة و امتناع ارتكاب الباطل ، إلاّ أنّهم يغلّفوها بعبارات و عناوين عائمة غائمة تغطية للمعنى المستدلّ به بألفاظ أُخرى كي تتم المغالطة و تنطوي ، و هذا النمط من الاستدلال من أوسع أنواع صناعة المغالطة مضافاً إلى اضطراب حدود المعاني بتوسّط هذا النمط من الاستدلال ، كما أنّهم إذا ضاق بهم الخناق في الاستدلال و الجواب عن دلائل إمامة عليّ (عليه السلام) تراهم يتأمّلون في كون عصمة النبيّ ( صلى الله عليه و آله و سلم ) مطلقة . .
لاحظ مثلا : ما ذكر الأيجي في المواقف عن الاستدلال بـ : " فاطمة بضعة منّي " 108 . و هذه هي عاقبة الأمر ، و قد رووا : إنّ عمر محدَّث هذه الأُمّة!! و : لو كان نبيّاً بعدي لكان عمر!!!

الثانية عشـرة

هناك طوائف عديدة من الروايات بألفاظ مختلفة تنهى عن الذوبان في المخالفين و التسيّب في مخالطتهم ، و تأمر بالتحفّظ في كيفية التعايش معهم ، و هذه الطوائف متوافقة مع الطوائف الأُخرى الآمرة بالمداراة لهم و التعامل معهم بالحسن و التجمّل ; لأنّ الأُولى تحدّد هذا التعامل بكونه سطحيّاً لا في العمق ، و الثانية إنّما تحثّ على حسن التعامل على صعيد السطح . .
منها : صحيحة الحلبي عن أبي عبـد الله (عليه السلام) ، أنّه أتاه قوم من أهل خراسان من ما وراء النهر فقال لهم : " تصافحون أهل بلادكم و تناكحونهم ، أما إنّهم إذا صافحتموهم انقطعت عروة من عرى الإسلام و إذا ناكحتموهم انتهك الحجاب فيما بينكم و بين الله عزّ و جلّ " 109 .
و في موثّق زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال : كانت تحته امرأة من ثقيف و له منها ابن يقال له : إبراهيم ، فدخلت عليها مولاة لثقيف فقالت لها : من زوجك هذا ؟ قالت : محمّـد بن علي . قالت : فإنّ لذلك أصحاباً بالكوفة قوم يشتمون السلف ويقولون . قال : فخلّى سبيلها ، فرأيته بعد ذلك قد استبان عليه و تضعضع من جسمه شيء . . الحديث 110 .
و في صحيح عبـد الله بن سنان ، عن أبي عبـد الله (عليه السلام) ـ في حديث ـ : " و لا يتزوج المستضعف المؤمنة " 111 .
و في مـوثّق زرارة عن أبي عبـد الله (عليه السلام) ، قال : تزوّجوا في الشُكّاك و لا تزوّجوهم ; فإنّ المرأة تأخذ أدب زوجها و يقهرها على دينه " 112 ; و رواها الصدوق بطريق صحيح 113 .
و هذه الروايات في مورد النكاح و إن اختلفت أقوال الفقهاء في المنع أو الكراهة أو التفصيل ، إلاّ أنّ مفادها إجمالا يسوس باتّجاه التحفّظ عن الذوبان فيهم ، و إبقاء عازل في ضمن نظام التعايش معهم 114 .

  • 1. بحار الأنوار : 28 / 2 ـ 36 .
  • 2. القران الكريم : سورة النساء ( 4 ) ، الآية : 98 ، الصفحة : 94 .
  • 3. القران الكريم : سورة التوبة ( 9 ) ، الآية : 106 ، الصفحة : 203 .
  • 4. القران الكريم : سورة الأعراف ( 7 ) ، الآية : 48 ، الصفحة : 156 .
  • 5. القران الكريم : سورة التوبة ( 9 ) ، الآية : 102 ، الصفحة : 203 .
  • 6. القران الكريم : سورة التوبة ( 9 ) ، الآية : 60 ، الصفحة : 196 .
  • 7. دعائم الإسلام : 1 / 27 ، قرب الإسناد : 351 ضمن ح 1260 ، المحاسن : 1 / 251 ـ 252 ح 474 و ح 476 .
  • 8. صحيح مسلم : 3 / 1478 ح 1851 ، المعجم الكبير : 19 / 334 ح 769 ، سُنن البيهقي : 8 / 156 .
  • 9. المناقب ـ للكوفي ـ 1 / 296 ح 220 و 2 / 146 ح 624 ، عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) : 2 / 27 ح 10 ، المسترشد ـ لابن جرير الطبري ـ : 260 ذيل ح 73 و 578 ح 250 ، مسند البزّار : 9 / 343 ح 3900 .
  • 10. الكافي : 3 / 249 ح 6 ، بحار الأنوار : 5 / 292 ح 14 .
  • 11. الكافي : 3 / 249 ح 7 ، بحار الأنوار : 5 / 293 ح 15 .
  • 12. المعجم الكبير : 7 / 295 ح 6993 ، حلية الأولياء : 6 / 308 ، بحار الأنوار : 5 / 291 ح 5 .
  • 13. الكافي : 3 / 248 ح 1 ، معاني الأخبار : 407 ح 86 ، بحار الأنوار : 5 / 290 ح 3 .
  • 14. الكافي : 3 / 248 ـ 249 ح 1 ـ ح 7 ، بحار الأنوار : 5 / 288 ـ 297 ح 1 ـ ح 22 .
  • 15. القران الكريم : سورة النساء ( 4 ) ، الآية : 99 ، الصفحة : 94 .
  • 16. تفسير العيّاشي : 1 / 269 ح 246 ، بحار الأنوار : 72 / 164 ح 23 .
  • 17. الكافي : 2 / 282 ح 3 ، كتاب الإيمان و الكفر : باب أصناف الناس .
  • 18. تفسير العيّاشي : 2 / 93 ح 74 ، بحار الأنوار : 72 / 164 ـ 165 ح 26 .
  • 19. تفسير العيّاشي : 1 / 269 ح 249 ، معاني الأخبار : 202 ح 8 ، بحار الأنوار : 72 / 160 ح 13 .
  • 20. الكافي : 3 / 247 ضمن ح 1 ، تفسير القمّي : 2 / 260 ، بحار الأنوار : 6 / 286 ح 7 و 290 ضمن ح 14 و 72 / 158 ح 3 .
  • 21. الخصال : 608 ضمن ح 9 ، عيون الأخبار : 2 / 125 ضمن ح 1 ، بحار الأنوار : 8 / 40 ح 22 و 72 / 159 ح 6 .
  • 22. معاني الأخبار : 392 ح 40 ، بحار الأنوار : 72 / 159 ح 7 .
  • 23. تفسير فرات الكوفي : 298 ح 403 ، بحار الأنوار : 8 / 52 ضمن ح 59 .
  • 24. تفسير القمّي : 2 / 202 ، الخصال : 408 ح 6 ، ثواب الأعمال : 206 ح 1 ، بحار الأنوار : 8 / 38 ح 16 و 39 / 19 و 41 / 26 .
  • 25. القران الكريم : سورة الأنبياء ( 21 ) ، الآية : 28 ، الصفحة : 324 .
  • 26. القران الكريم : سورة النساء ( 4 ) ، الآية : 48 ، الصفحة : 86 .
  • 27. القران الكريم : سورة مريم ( 19 ) ، الآية : 87 ، الصفحة : 311 .
  • 28. القران الكريم : سورة طه ( 20 ) ، الآية : 109 ، الصفحة : 319 .
  • 29. القران الكريم : سورة طه ( 20 ) ، الآية : 82 ، الصفحة : 317 .
  • 30. القران الكريم : سورة الرعد ( 13 ) ، الآية : 7 ، الصفحة : 250 .
  • 31. القران الكريم : سورة الأنبياء ( 21 ) ، الآية : 73 ، الصفحة : 328 .
  • 32. القران الكريم : سورة الفاتحة ( 1 ) ، الآية : 6 و 7 ، الصفحة : 1 .
  • 33. القران الكريم : سورة يونس ( 10 ) ، الآية : 35 ، الصفحة : 213 .
  • 34. تفسير البرهان : 3 / 28 ـ 30 ح 4885 ـ ح 4894 .
  • 35. تفسير نور الثقلين : 2 / 302 ـ 304 ح 57 ـ ح 63 .
  • 36. عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) : 1 / 136 ح 35 ، الأمالي ـ للشيخ الصدوق ـ : 56 ح 11 ، بحار الأنوار : 8 / 19 ح 5 و 34 ح 4 .
  • 37. القران الكريم : سورة غافر ( 40 ) ، الآية : 18 ، الصفحة : 469 .
  • 38. التوحيد : 407 ح 6 ، بحار الأنوار : 8 / 351 ح 1 .
  • 39. الخصال : 407 ح 6 ، بحار الأنوار : 8 / 39 ح 19 .
  • 40. غرر الحكم ـ للآمدي ـ : 1 / 85 ح 1749 ، مستدرك الوسائل : 12 / 113 ضمن ح 13 .
  • 41. القران الكريم : سورة المائدة ( 5 ) ، الآية : 27 ، الصفحة : 112 .
  • 42. القران الكريم : سورة البقرة ( 2 ) ، الآية : 34 ، الصفحة : 6 .
  • 43. القران الكريم : سورة المائدة ( 5 ) ، الآية : 64 ، الصفحة : 118 .
  • 44. القران الكريم : سورة المائدة ( 5 ) ، الآية : 67 ، الصفحة : 119 .
  • 45. القران الكريم : سورة المائدة ( 5 ) ، الآية : 3 ، الصفحة : 107 .
  • 46. القران الكريم : سورة الفاتحة ( 1 ) ، الآية : 2 ، الصفحة : 1 .
  • 47. القران الكريم : سورة الفاتحة ( 1 ) ، الآية : 3 ، الصفحة : 1 .
  • 48. القران الكريم : سورة الفاتحة ( 1 ) ، الآية : 4 ، الصفحة : 1 .
  • 49. القران الكريم : سورة الفاتحة ( 1 ) ، الآية : 5 ، الصفحة : 1 .
  • 50. القران الكريم : سورة الفاتحة ( 1 ) ، الآية : 6 ، الصفحة : 1 .
  • 51. القران الكريم : سورة الفاتحة ( 1 ) ، الآية : 7 ، الصفحة : 1 .
  • 52. القران الكريم : سورة الشورى ( 42 ) ، الآية : 23 ، الصفحة : 486 .
  • 53. نهج البلاغة : الخطبة القاصعة .
  • 54. شرح إحقاق الحقّ : 9 / 491 .
  • 55. المعجم الأوسط : 3 / 26 ح 2251 ; و ذكره الهيثمي في مجـمع الزوائد : 9 / 172 ، و ابن حجر في الصواعق ، والنبهاني في الشرف المؤبّد : 96 ، و الحضرمي في رشفة الصادي : 43 .
  • 56. لاحظ : شرح إحقاق الحقّ : 9 / 492 ـ 494 ، و 15 / 579 ، و 18 / 448 ، و 20 / 290 ـ 315 ، المستدرك على الصحيحين : 3 / 149 ، الغدير : 2 / 301 ، و 9 / 268 . .
    و أخرجه الطبراني والسيوطي و الثعلبي و النبهاني ، وابن حجر في الصواعق : 172 . و غيرهم .
  • 57. القران الكريم : سورة إبراهيم ( 14 ) ، الآية : 18 ، الصفحة : 257 .
  • 58. الكافي : 1 / 140 ح 8 ، الوسائل : 1 / 118 ح 297 .
  • 59. عقاب الأعمال : 250 ذيل ح 16 ، الوسائل 1 / 123 ذيل ح 312 .
  • 60. علل الشرايع : 250 ح 7 ، الوسائل : 1 / 123 ذيل ح 310 .
  • 61. عقاب الأعمال : 244 ذيل ح 3 ، الوسائل : 1 / 124 ح 314 .
  • 62. الكافي : 2 / 294 ح 9 .
  • 63. القران الكريم : سورة الفرقان ( 25 ) ، الآية : 57 ، الصفحة : 365 .
  • 64. القران الكريم : سورة المائدة ( 5 ) ، الآية : 35 ، الصفحة : 113 .
  • 65. القران الكريم : سورة الأعراف ( 7 ) ، الآية : 180 ، الصفحة : 174 .
  • 66. القران الكريم : سورة النساء ( 4 ) ، الآية : 98 و 99 ، الصفحة : 94 .
  • 67. القران الكريم : سورة التوبة ( 9 ) ، الآية : 102 ، الصفحة : 203 .
  • 68. القران الكريم : سورة التوبة ( 9 ) ، الآية : 106 ، الصفحة : 203 .
  • 69. تفسير القمّي 1 / 149 ، بحار الأنوار 72 / 157 ح 1 .
  • 70. تفسير القمّي 1 / 304 ـ 305 ، بحار الأنوار 72 / 157 .
  • 71. القران الكريم : سورة الحجرات ( 49 ) ، الآية : 14 ، الصفحة : 517 .
  • 72. الخصال : 333 ح 34 ، بحار الأنوار 72 / 158 ح 4 .
  • 73. معاني الأخبار : 200 ح 1 ، بحار الأنوار : 72 / 159 ح 8 .
  • 74. معاني الأخبار : 201 ح 6 ، بحار الأنوار : 72 / 160 ح 11 .
  • 75. معاني الأخبار : 202 ح 7 ، بحار الأنوار : 72 / 160 ح 12 .
  • 76. مرّت تخريجات الحديث في ص 106 .
  • 77. تفسير العيّاشي 1 / 270 ح 250 ، معاني الأخبار : 202 ح 9 ، بحار الأنوار 72 / 161 ح 14 .
  • 78. تفسير العيّاشي : 1 / 270 ح 251 ، معاني الأخبار : 203 ح 10 ، بحار الأنوار : 72 / 161 ح 15 .
  • 79. معاني الأخبار : 200 ح 2 ، بحار الأنوار : 72 / 162 ح 17 .
  • 80. معاني الأخبار : 201 ح 3 ، بحار الأنوار : 72 / 162 ح 18 .
  • 81. كتاب سليم بن قيس الكوفي : 2 / 670 ضمن ح 12 ، بحار الأنوار : 72 / 170 ح 36 .
  • 82. مستطرفات السرائر : 3 / 583 .
  • 83. علل الشرائع : 601 ح 60 ، طبعة النجف الأشرف .
  • 84. معاني الأخبار : 365 ح 1 .
  • 85. الأمالي ـ للشيخ المفيد ـ : 334 ح 4 ، الأمالي ـ للشيخ الطوسي ـ : 113 ح 172 ، بحار الأنوار : 27 / 53 ح 6 .
  • 86. تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) : 579 ح 341 .
  • 87. مرّت تخريجات الحديث في ص 112 .
  • 88. دعائم الإسلام : 1 / 156 ، الهداية ـ للشيخ الصدوق ـ : 62 ، الأمالي ـ للشيخ الطوسي ـ : 618 ضمن ح 1274 .
  • 89. الكافي : 2 / 69 ح 2 ، علل الشرائع : 524 ح 1 .
  • 90. تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) : 49 ضمن ح 22 ، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) : 1 / 291 ح 41 ، علل الشرائع : 140 ح 1 ، الأمالي ـ للشيخ الصدوق ـ : 61 ح 21 ، معاني الأخبار : 37 ضمن ح 9 و 399 ح 58 ، بحار الأنوار : 27 / 54 ح 8 .
  • 91. القران الكريم : سورة إبراهيم ( 14 ) ، الآية : 18 ، الصفحة : 257 .
  • 92. القران الكريم : سورة الفرقان ( 25 ) ، الآية : 23 ، الصفحة : 362 .
  • 93. القران الكريم : سورة النور ( 24 ) ، الآية : 39 ، الصفحة : 355 .
  • 94. القران الكريم : سورة الكهف ( 18 ) ، الآية : 104 ، الصفحة : 304 .
  • 95. القران الكريم : سورة المجادلة ( 58 ) ، الآية : 18 ، الصفحة : 544 .
  • 96. الأمالي ـ للشيخ المفيد ـ : 29 ح 3 .
  • 97. مناقب عليّ بن أبي طالب ـ لابن مردويه ـ : 124 ح 157 ، بحار الأنوار : 28 / 9 ـ 10 ح 12 و 16 .
  • 98. كتاب سليم بن قيس الكوفي : 2 / 663 ضمن ح 12 .
  • 99. القران الكريم : سورة آل عمران ( 3 ) ، الآية : 105 ، الصفحة : 63 .
  • 100. كشف الغمّة : 2 / 98 ـ 99 ، بحار الأنوار : 27 / 193 ح 52 .
  • 101. شرح المقاصد : 5 / 258 .
  • 102. شرح المقاصد : 5 / 259 .
  • 103. القران الكريم : سورة الفتح ( 48 ) ، الآية : 16 ، الصفحة : 513 .
  • 104. شرح المقاصد : 5 / 263 ـ 264 .
  • 105. فلاحظ : شرح المقاصد : 5 / 292 ـ 294 .
  • 106. شرح المقاصد : 5 / 290 .
  • 107. شرح المواقف : 8 / 363 .
  • 108. المواقف : 3 / 607 ـ 610 .
  • 109. الكافي : 5 / 352 ح 17 .
  • 110. الكافي : 5 / 351 ح 13 .
  • 111. الكافي : 5 / 351 ح 8 .
  • 112. الكافي : 5 / 351 ح 5 .
  • 113. من لا يحضره الفقيه : 3 / 408 ح 4426 .
  • 114. كتاب عدالة الصحابة لسماحة العلامة الشيخ محمد السند : 401 ـ 437.