Search
Close this search box.
logo_black

في اعتبار كتاب دعائم الإسلام

السيد أبو القاسم الخوئي

قوله: «وعن دعائم الإسلام‌».

أقول: أقصى ما قيل أو يمكن أن يقال في وجه اعتبار هذا الكتاب أن صاحبه أبا حنيفة النعمان حيث كان رجلا إماميا اثني عشريا جليلا فاضلا فقيها ومن جملة النوابغ في عصره بل كان فريدا في دهره كما يظهر من كتابه كانت رواياته مشمولة لأدلة حجية خبر العدل الإمامي.

(والذي) ينبغي أن يقال: إنه لا شبهة في علو مكانة أبي حنيفة النعمان صاحب كتاب دعائم الإسلام وغيره من الكتب الكثيرة، و نبوغه في العلم و الفضل و الفقه و الحديث على ما نطقت به التواريخ وكتب الرجال و كتابه هذا، كما لا شبهة في كونه إماميا في الجملة، فإنه كان مالكي الأصل فتبصر و صار شيعيا إماميا كما اتفقت عليه كلمات أكثر المترجمين الذين تعرضوا لترجمته و تاريخه كالبحار[1] وتنقيح المقال للمامقاني[2] وسفينة البحار[3] والمستدرك[4] وتأسيس الشيعة للسيد حسن الصدر[5] و غيرها وقد نقلوا عن أئمة التاريخ والرجال كونه إماميا، وعلى هذا فلا يصغى إلى قول ابن شهرآشوب في المعالم أنه لم يكن إماميا على ما في تنقيح المقال.

إلا أن الذي يقتضيه الإنصاف أنا لم نجد بعد الفحص والبحث من يصرح بكونه ثقة ولا اثني عشريا وإن كان المحدث النوري قد أتعب نفسه في إثباتهما وبالغ في اعتبار الكتاب، ومع هذا الجهد والمبالغة لم يأتِ بشي‌ء تركن إليه النفس ويطمئن به القلب، ولعل كلام السيد في الروضات[6] ينظر إلى ما ذكرناه حيث قال: ولكن الظاهر عندي أنه لم يكن من الإمامية الحقة، وحينئذ فكيف يمكن إثبات حجية رواياته بأدلة حجية خبر العدل.

وعلى تقدير تسليم وثاقته وكونه إماميا اثني عشريا فلا يخرج بذلك ما احتواه كتابه عن سلك الأخبار المرسلة فتسقط حجيته للإرسال.

وأما توهم انجباره بالشهرة أو بموافقة أكثر رواياته لروايات الكتب المعتبرة فقد تقدم جوابهما في ذيل رواية تحف العقول.

فإن قلت: إذا سلمنا وثاقة أبي حنيفة النعمان فلا مناص عن الالتزام بحجية كتابه؛ لأنه قال في أوله: نقتصر فيه على الثابت الصحيح مما رويناه عن الأئمة من أهل بيت رسول اللّه (ص)، فيكون كلامه هذا توثيقا إجماليا لما أسقطه من الرواة.

قلت: نعم، ولكن ثبوت الصحة عنده لا يوجب ثبوتها عندنا؛ لاحتمال اكتفائه في تصحيح الرواية بما لا نكتفي به نحن، والحق فيه ما ذكره المجلسي في البحار[7] ان رواياته إنما تصلح للتأكيد والتأييد فقط.

 

إزاحة شبهة:

وقد التجأ المحدث النوري[8] في تنزيه أبي حنيفة النعمان عن اتهامه‌ بمذهب الإسماعيلية و إثبات كونه ثقة اثني عشريا إلى بيان نبذة من عقائد الإسماعيلية الفاسدة، كقولهم بأن محمد بن إسماعيل حي لم يمت ويبعث برسالة وشرع جديد ينسخ به شريعة محمد، وأنه من أولي العزم، وأولو العزم عندهم سبع لأن السماوات سبع والأرضين سبع وبدن الإنسان سبع والأئمة سبع وقلبهم محمد بن إسماعيل إلى غير ذلك من الخرافات التي تنزه عنها النعمان وكتابه، ثم إنه صرح في كتابه بكفر الباطنية و أثبت إمامة الأئمة الطاهرة و كونهم مفترضي الطاعة ولم يصرح بإسماعيل ولا بابنه محمد، ومع ذلك كله فكيف يرضى المنصف بعدّه من الإسماعيلية، انتهى ملخص كلامه.

و فيه: إن تنزه النعمان من تلك الأقاويل الكاذبة  العقائد الفاسدة وتصريحه بكفر الباطنية لا يستلزم عدم كونه من الإسماعيلية؛ لأن الباطنية قسم منهم، و ليس كل إسماعيلي من الباطنية، و إن عدم ذكره إسماعيل وابنه في عداد الأئمة لا يكشف عن عدم عقيدته بإمامتهما، مع أن عقائده الإسماعيلين لم تصل إلينا بحقيقتها حتى نلاحظها مع ما ذكره النعمان ليتضح لنا أنه منهم أو ليس منهم، و لقد صادفت زعيما من زعمائهم في الحضرة الشريفة، فسألته عن ولي الأمر و الحجة المنتظر (ع) هل هو حي أو ميت، فقال: هو لا حي و لا ميت بل يولد من امرأة قرشية لا تحيض، فيعلم من ذلك أنهم لا يرون ما تذهب إليه الباطنية في محمد بن إسماعيل.

 

كشف حقيقة:

لا ينقضي تعجبي من المحدث المتبحر النوري حيث قال في المستدرك[9] ما ملخصه: إن الكتاب المذكور لم يخالف في فرع غالبا إلا و معه موافق معروف من الشيعة إلا في إنكار المتعة فليس له موافق عليه، ثم حمل إنكاره هذا على التقية و جعل القرينة على ذلك ما ذكره في باب الطلاق من عدم وقوع التحليل بالمتعة للمطلقة ثلاثا، وما ذكره في باب الحد في الزنا من أن الإحصان لا يتحقق بالمتعة، فإن المتعة لو لم تكن جائزة عنده لكان ذكرها في البابين بلا وجه وتكون من قبيل ذكر الزنا فيهما، ولا معنى لأن يقول أحد إن الزنا لا يتحقق به التحليل و الإحصان.

ووجه العجب:

         أولا: إن الكتاب يشتمل على فروع كثيرة تخالف مذهب الشيعة الاثني عشرية ولم يوافقه عليها أحد من علماء الشيعة، وقد ذكرنا في الحاشية[10] أنموذجا من هذه المخالفات لتكون حجة على منكرها.

         وثانيا: إن نقل روايتين في الكتاب يظهر منهما جواز المتعة لا يدل على التزامه بالجواز، ونسبة ذلك إليه محتاجة إلى علم الغيب بأنه كان حين ما نقلهما ملتفتا إلى ما يستفاد منهما من مشروعية المتعة، فإن من المحتمل القريب أن يكون نظره في الروايتين مقصورا على نفي التحليل والإحصان بالمتعة كنفيهما بالشبهة مع عدم التفاته إلى جهة أخرى؛ لأنه ليس بمعصوم لا يمكن في حقه مثل هذا الاحتمال.

أما أن المتعة بناء على عدم جوازها كالزنا فيكون ذكرها في البابين من قبيل ذكر الزنا ولا معنى له، فيدفعه: أن ذكر المتعة يكون من قبيل ذكر الشبهة في البابين ولا خفاء فيه ولا معنى للتهويل به.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

[1]  ج1 ص15 قال: قد كان أكثر أهل عصرنا يتوهمون أنه تأليف الصدوق وقد ظهر لنا انه تأليف أبي حنيفة النعمان بن محمد بن منصور قاضي مصر في أيام الدولة الإسماعيلية.

[2]  مادة حنف: أبو حنيفة الشيعة هو القاضي نعمان بن محمد بن منصور قاضي مصر كان مالكيا أو لا ثم اهتدى وصار إماميا وصنف على طريق الشيعة كتبا منها كتاب دعائم الإسلام وفي كتاب دائرة المعاني: أبو حنيفة المغربي هو النعمان بن أبي عبد اللّه محمد بن منصور ابن أحمد بن حيوان أحد الأئمة الفضلاء المشار إليهم ذكره الإمام المسيحي في تاريخه فقال كان من أهل العلم والفقه والدين والنبل على مالا مزيد عليه.

وله عدة مصنفات منها كتاب اختلاف أصول المذهب وغيره وكان مالكي المذهب ثم انتقل الى مذهب الإمامية.

وقال ابن زولاق: كان في غاية الفضل من أهل القرآن والعلم بمعانيه عالما بوجوه الفقه وعلم اختلاف الفقهاء واللغة والشعر والمعرفة بأيام الناس مع عقل وانصاف وألف لأهل البيت من الكتب آلاف أوراق بأحسن تأليف وأفصح سجع وعمل في المناقب والمثالب كتابا حسنا وله رد على المخالفين له رد على أبي حنيفة ومالك والشافعي وعلي بن سريج وكتاب اختلاف الفقهاء ينتصر فيه لأهل البيت «ع» وله القصيدة الفقهية لقبها بالمنتخبة وكان ملازما صحبة المعز العلوي توفي سنة 363.

وكان أولاده من الأفاضل منهم أبو الحسن علي بن النعمان وأبو عبد اللّه محمد بن النعمان.

[3]  ج3 ص273.

[4]  ج3 خاتمة الكتاب في الفائدة الثانية ص313.

[5]  ص382.

[6]  ص727.

[7]  ج1 ص15.

[8]  ج3 المستدرك ص215‌

[9]  ج3 ص318.

[10]  منها: ما ذكره في المتعة وأنها ليست بمشروعة.

منها ما ذكره في ضمن ما يسجد عليه المصلي قال: وعن جعفر بن محمد (ع) أنه رخص في الصلاة على ثياب الصوف وكلما يجوز لباسه والصلاة فيه يجوز السجود عليه فإذا جاز لباس الثوب الصوف والصلاة فيه فلذلك مما يسجد عليه.

ومنها ما قال في الوضوء أنه من بدأ بالمياسير من أعضاء الوضوء جهلا أو نسيانا وصلى لم تفسد صلاته.

ومنها ما في نواقض الوضوء عن جعفر بن محمد (ع) أن الذي ينقض الوضوء الى أن قال: المذي وقال بعد أسطر ورأوا أن كلما خرج من مخرج الغائط ومن مخرج البول عما قدمنا ذكره أو من دود أو حبات أو حب القرع ذلك كله حدث يجب منه الوضوء وينقض الوضوء.

ومنها ما قال في المسح: من بدأ بما أخره اللّه من الأعضاء نسيانا أو جهلا وصلى لم تفسد صلاته.

ومنها ما قال في صفات الوضوء ثم أمروا بمسح الرأس مقبلا ومدبرا يبدأ من وسط رأسه فيمر يديه جميعا على ما أقبل من الشعر الى منطقة من الجبهة ثم يمار يديه من وسط الرأس إلى آخر الشعر من القفا ويمسح من ذلك الأذنين ظاهرهما وباطنهما.

ومنها ما قال في هذا الباب ومن غسل رجليه تنظفا ومبالغة في الوضوء ولابتغاء الفضل وخلل أصابعه فقد أحسن.

ومنها ما قال في الوضوء التجديدي ما غسل من أعضاء الوضوء أو ترك لا شي‌ء عليه وقد روينا عن علي بن الحسين (ع) أنه سئل عن المسح على الخفين فسكت حتى مر بموضع فيه ماء والسائل معه فنزل وتوضأ ومسح على الخفين وعلى عمامته وقال هذا وضوء من لم يحدث الى غير ذلك مما يخالف مذهب الشيعة وليس المقام مناسبا لذكره أجمع ومن أراد الاطلاع عليه فليراجع إلى دعائم الإسلام.

 

 

مصباح الفقاهة، السيد أبو القاسم الخوئي، ج١، ص١٨