Search
Close this search box.
logo_black

رسالة التنقيح.. في مسألة إمامة (غير طالب العلم) للجماعة مع وجوده وإمكان الوصول إليه

السيد محمد علي العلوي

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمَّد وآله الطيبين الطاهرين.

 

رسالة التنقيح

 

في مسألة إمامة (غير طالب العلم) للجماعة مع وجوده وإمكان الوصول إليه

 

تمهيد:

طَرَحَ العالِمُ الفاضل صاحبُ السَّماحة الشَّيخ محمود آل الشَّيخ العالي (أدام الله ظلَّه ورفع شأنه)، وهو من أكابر العلماء في بلادنا البحرين (حرسها الله تعالى من صنوف البلايا والفِتن) مسألةَ إمَامة (غير المُعمَّم) أو (غير الحوزوي) للجماعة مع وجود (المُعمَّم الحوزوي) في المكان أو المنطقة وإمكان الوصول إليه، مُؤكِّدًا على أنَّ سيرة العلماء جارية على كون (المحاريب لأهل العلم)، وأنَّ إمامة الجماعة (شأن دِينيٌّ) وينبغي أن يكون (بيد العلماء).

تَدَاوَلَتْ وسائلُ التواصل الإلكتروني هذا المقطع للفاضل العالي (حفظه الله تعالى) بكثافة خلال بضعة أيَّام، ما كان له دورٌ في إثارة المسألة وجعلها مادَّة للمناقشة والأخذ والردِّ بين بعض المؤمنين، ومنهم من أبدى رجاءه في رِسالةٍ تُبيِّن الأمر وتوضِّح ما فيه بحسب ما ورد في النصوص الشريفة وأقوال الفقهاء، فَبِأمَلِ الفَائِدَة والثَّواب أُحَبِّرُ هذه الأوراق سائلًا المولى جلَّ في عُلاه أن تكون لي خيرًا يوم ألقاه، كما وأضع بين يدي صاحب السَّماحة العالي آيات اعتذاري لأيِّ خطأ أو زلل قد أقع فيه.

 

مسار المقال:

 

 

  • الغاية: الوقوف على المدرك أو الوجه الشَّرعي للفتوى أو التوجيه إلى عدم جواز الصَّلاة خلف غير (المعمَّم) أو غير (الحوزوي) مع وجوده وإمكان الوصول إليه.

 

  • المبادئ: الوقوف على: معنى الإمام في اللغة – صفة إمامة الجماعة – الشروط الَّتي يجب توفُّرها في مَن يتقدَّم لإمامة الجماعة في الصَّلاة – الروايات الَّتي يُفادُ منها شرط العدالة.

 

  • تنقيح موضوع المقال: التفريق بين العالِم والفقيه من جهة، وطالب العلم من جهة أخرى.

 

  • الإمام الرَّاتب: والنَّظر في وجود أو عدم وجود خصوصيَّة له من جهة درجته ومقامه العلمي.

 

  • استفتاءات لبعض مراجع الدِّين: وهي بمثابة الفذلكة لما انتهى إليه نظرُ المقال.

 

  • موقع المجتمع مِن المسألة: نُبيِّن ما عليه المجتمع في بلادنا البحرين في خصوص إمامة الجماعة، والاقتداء بإمامٍ للجماعة.

 

  • خلاصة.

 

 

معنى الإمام في اللغة:

الإمامُ “كُلُّ من ائتمَّ به قومٌ كانوا على الصراط المستقيم أو كانوا ضالين”[1]، وقد قال تعالى في إمام الهُدى: ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا﴾[2]، وقال جلَّ شأنه في أئمَّةِ الضلال: ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ﴾[3].

إنَّ مَن يُتَّبع عن تسليمٍ مُطلقٍ كالمعصوم (عليه السَّلام)، أو مُقيَّدٍ بعدم الخطأ كغير المعصوم (عليه السَّلام) إمامٌ في ما يُتَّبع فيه، والأمر من هذه الجهة، أي في ما يُتَّبعُ فيه، واحدٌ سواء كان الإمامُ إمامَ هُدىً أم إمامَ ضَلال. ويكون الائتمام في إحدى صورتيه في كُلِّ شيءٍ؛ ومِثاله الائتمام بالمعصوم (عليه السَّلام)، وفي الأخرى في الأمر الَّذي يُتقِنه المرء؛ ومِثاله إمام اللُغة وما نحو ذلك.

وليس كلُّ من تقدَّمَ جماعةً مِن النَّاس كان إمامًا لهم إلَّا أن يأتمُّوا به بالمعنى المتقدِّم. وبطبيعة الحال لا نقصد بالتقدم خصوص التقدُّم البدني المادِّي كما في صلاة الجماعة، بل نقصد الأعم.

 

الإمام في صلاة الجماعة:

يتحمَّلُ إمامُ الجماعةِ عن مَن يأتمُّ بِه خصوص القراءة في الأُولَتين، ثُمَّ إنَّ الشارِع المُقدَّس يأمر بعدم سبق المأموم له في أفعال الصَّلاة، فلا يجوز للمأموم أن يركع أو يسجد مثلًا قبل الإمام، بل الواجب أن يكون تابعًا له تاليًا لأفعاله من ركوع وسجود وما إلى ذلك، ولو فرضنا أنَّ الائتمام الشرعيَّ مُجَرَّدُ ائتمامٍ بالأفعال وتركٍ للقراءة لجاز الائتمام بِمِثل المصنوع الآلي على هيئة الرجل، وفي مثله تكون القراءة وعدد الركعات مُحرَزَة الصحَّة كما لا يخفى، ولكنَّ الأمر ليس كذلك، وهذه نُكتَةٌ لها أثرها المهم في مسألة المقال؛ فالفارق بين المصنوع الآلي المُبَرْمَج لأداء الصَّلاة على نهجها الشَّرعي، وأعني بالنهج الشرعي الشروط والأجزاء على فرض تصحيح مثل الوضوء والتنزل بالاستغناء فيه عن النيَّة، ليس إلَّا النَّهج العقلي، وهو قصد القربة المستمر والمتَّصل مُتقدِّمًا أو مقارِنًا لهمزة الإحرام، إلى تاء آخر التَّسليم.

إنَّ صِدقَ وصحةَ قصد القربة متوقِّف على أمور يأخذها الشَّارع المُقدَّس في تصحيح إمامة المرء للجماعة. فانتبه واحفظ رعاك الله تعالى.

 

شروط إمام الجماعة:

وكيف كان فلا تصحُّ إمامة من لا تتوفَّر فيه شروط؛ قال المُحدِّثُ البَحرانيُّ: “ويُشترطُ في الإمام شروطٌ:

منها: الذكورة إذا أمَّ ذكورًا، اتِّفاقًا نصًّا وفتوى.

 

ومنها: البلوغ احتياطًا، والمشهورُ اشتراط البلوغ، وقِيلَ يجوز إمامة الصبي المُمَيِّزِ المُراهق. ورواياتُ الجواز أرجحُ من روايات المنع، فلذا جَعَلْنَا شَرْطَ البُلُوغِ احتيَاطًا، وقِيلَ بِجواز إمامته بمثله وقِيلَ مُطلقًا، لكن في النافلة، ولم نقفْ لَهُمَا على دليل.

 

ومنها: أنْ يكون مُؤمِنًا عَدْلًا عَاقِلًا، إجمَاعًا هُنا نَصًّا وفتوى.

وقَدْ اختلفَ أصحابُنَا (رضي الله عنهم) في معنى العدالة هُنا على أقوالٍ أظْهَرُهَا عِندي وِفَاقًا لِجَمْعِ مُتَأخِّرِي المُتَأخِّرينَ أنَّها عِبَارَةٌ عَن حُسْنِ الظَّاهِرِ حَسْبَمَا دَلَّتْ عَليهِ صَحِيحَةُ عَبْدِالله ابنِ أبي يَعْفُور[4].

والمراد بِحُسْنِ الظاهر أنْ يكون الإنسانُ معروفًا بالقيام بالواجبات العِلْمِيَّةِ والعَمَلِيَّةِ والقَلْبِيَّةِ والقَالَبِيَّةِ، مُجْتَنِبًا للمُحرَّمات، كذلك غَيرَ مُصِرٍّ على شيءٍ مِنَ الصَّغَائِرِ فضلًا عن الكَبَائِرِ، مُلازِمًا للجَمَاعَةِ والصَّلاة في أوقاتها. فمتى كان معروفًا بذلك معلومًا سلوكه تِلكَ المَسَالك ثَبَتَتْ عَدَالَتُهُ وأُجِيزَتْ شَهَادَتُهُ، وَصَحَّتْ جَمَاعَتُهُ.

ولا بُدَّ مِنْ نوع مُعَاشَرَةٍ وصُحْبَةٍ تَطَّلِعُ على ذَلِكَ.

 

ومنها: أنْ يكون طَاهِرَ المَولِدِ بِلا خِلافٍ أيضًا نَصًّا وفتوى.

وفي اشتراط حريته وسلامته من البرص والجذام والعمى قولان؛ أظهرهما العدم في الأول والأخير، والاشتراط في الوسط، فيجوز الصَّلاة خَلْفَ العَبْدِ، والأعْمَى إذا كان له من يُسَدِّدُهُ إلى القِبْلَة، وَتَحْرُمُ الصَّلاة خَلْفَ الأَخِيرَينِ”[5].

 

العدالة في إمام الجماعة:

أمَّا الذكورة والبلوغ وطهارة المولد فكلُّ واحدٍ منها كُليٌّ متواطي، ويبقى الكلام في العدالة؛ وإنَّما ميَّزنا من جهة نوع الكُلي لنقف على وجوب تقديم الأعدل إذا كان مفهومُ العدالة كُليًّا مُشكِّكًا، وإلَّا فيُنظر في مائزٍ يقتضي تقديم إمامٍ على آخر.

 

الرِّوايات الَّتي أُفيد منها شرط العدالة:

لم أقف على رواية تدل نصًّا على (العدالة)، ولكنَّها عنوانٌ يُفاد من مثل الانتهاء على مقارفة الذنوب، والتزام الواجبات وما إلى ذلك مِمَّا يكون معه المرء مُستقيمًا على الطريقة. فالعدالة إذن عنوان شرعي تؤخذ حدوده ومعالمه من الشَّارع المُقدَّس.

روى في التهذيب بسنده عن إسماعيل بن عيسى بن عبد الله الأشعري، قَالَ: “قُلْتُ لِلرِّضَا عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: رَجُلٌ يُقَارِفُ اَلذُّنُوبَ وهُوَ عَارِفٌ بِهَذَا اَلْأَمْرِ، أُصَلِّي خَلْفَهُ؟ قَالَ: لاَ“[6]. فبالرغم من كونه عَدْلًا بمعنى إماميّ؛ لقوله: “وهو عارف بهذا الأمر” إلَّا أنَّ الإمام (عليه السَّلام) نهى عن الصلاة خلفة لمقارفته الذنوب.

ولكن ليس كلُّ ذنب مُسقِطًا للعدالة، فقد روى الشَّيخ بسنده عن عُمَرَ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: “سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اَللَّهِ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) عَنْ إِمَامٍ لاَ بَأْسَ بِهِ فِي جَمِيعِ أَمْرِهِ، عَارِفٍ، غَيْرَ أَنَّهُ يُسْمِعُ أَبَوَيْهِ اَلْكَلاَمَ اَلْغَلِيظَ اَلَّذِي يَغِيظُهُمَا. أَقْرَأُ خَلْفَهُ؟

قَالَ (عليه السَّلام): لاَ تَقْرَأْ خَلْفَهُ مَا لَمْ يَكُنْ عَاقًّا قَاطِعًا»[7]؛ فالكلام الغليظ من الولد لأبويه مبغوض ما لم يكن لمصلحة راجحة، غير أنَّ الظاهر هو نظرُ الشَّارع إلى استقرار التلبُّس بمبدأ العقوق، وهذا لا يتحقَّق بمجرَّد الكلام الغليظ وإن كان مُغيظًا للوالدين، ولا يظهر من الرواية استمرار الولد على هذا السُّلوك. فالمسقط للعدالة فيما إذا كان الولد “عاقًّا قاطِعًا” فيدخل تحت عنوان مقارفة الذنب الناقض للعدالة، أو المزيل أو المُضعف لملكتها.

وفي رواية التهذيب بسنده عَنْ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ آبَائِهِ، عَنْ عَلِيٍّ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ)، قَالَ: “اَلْأَغْلَفُ لاَ يَؤُمُّ اَلْقَوْمَ وَإِنْ كَانَ أَقْرَأَهُمْ؛ لِأَنَّهُ ضَيَّعَ مِنَ اَلسُّنَّةِ أَعْظَمَهَا، وَلاَ تُقْبَلُ لَهُ شَهَادَةٌ، وَلاَ يُصَلَّى عَلَيْهِ. إِلاَّ أَنْ يَكُونَ تَرَكَ ذَلِكَ خَوْفًا عَلَى نَفْسِهِ“[8]. وهذا من ترك الفرائض، حتَّى لو كانت ممَّا يوصف في هذه الأزمان بالأمر الشخصي الخاص. فتأمَّل.

والروايات الدَّالة على سقوط العدالة بمقارفة الذنوب وبالفجور والفسق مستفيضةٌ.

 

العدالة بالمعنى المتقدِّم والدِّين:

روى الشَّيخُ الكُلينيُّ (قدَّس الله نفسه) بسَندِه عن أبي علي بن راشد، قال: “قُلْتُ لأَبِي جَعْفَرٍ (عليه السَّلام): إِنَّ مَوَالِيَكَ قَدِ اخْتَلَفُوا، فَأُصَلِّي خَلْفَهُمْ جَمِيعًا؟

فَقَالَ (عليه السَّلام): لَا تُصَلِّ إِلَّا خَلْفَ مَنْ تَثِقُ بِدِينِه”[9].

وفي اختيار معرفة الرجال بسنده عن يَزِيدَ بْنِ حَمَّادٍ، عَنْ أَبِي اَلْحَسَنِ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ)، قَالَ: “قُلْتُ لَهُ أُصَلِّي خَلْفَ مَنْ لاَ أَعْرِفُ؟ فَقَالَ (عليه السَّلام): لاَ تُصَلِّ إِلاَّ خَلْفَ مَنْ تَثِقُ بِدِينِهِ»[10].

أقول: إمَّا أن يُحمَل الدِّين على التزام الواجبات والانتهاء عن المُحرَّمات، وعدم الإصرار على الصغائر، وما إلى ذلك ممَّا بيَّنه غارس الحدائق (نوَّر الله مرقده الشَّريف) في ما ذكرناه عنه أعلاه، أو أن يُحمل على الحدود والمعالم المُبيَّنة في رواية عبد العظيم الحسني في ما يرويه الشَّيخ الصدوق في الأمالي بسنده عنه، قال: “دَخَلْتُ عَلَى سَيِّدِي عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ، فَلَمَّا بَصُرَ بِي قَالَ لِي: مَرْحَبًا بِكَ يَا أَبَا اَلْقَاسِمِ. أَنْتَ وَلِيُّنَا حَقًّا.

قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: يَا اِبْنَ رَسُولِ اَللَّهِ، إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَعْرِضَ عَلَيْكَ دِينِي؛ فَإِنْ كَانَ مَرْضِيًّا ثَبَتُّ عَلَيْهِ حَتَّى أَلْقَى اَللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ.

فَقَالَ (عليه السَّلام): هَاتِ يَا أَبَا اَلْقَاسِمِ.

فَقُلْتُ: إِنِّي أَقُولُ إِنَّ اَللَّهَ تَعَالَى وَاحِدٌ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، خَارِجٌ مِنَ اَلْحَدَّيْنِ؛ حَدِّ اَلْإِبْطَالِ وَحَدِّ اَلتَّشْبِيهِ. وَإِنَّهُ لَيْسَ بِجِسْمٍ وَلاَ صُورَةٍ وَلاَ عَرَضٍ وَلاَ جَوْهَرٍ، بَلْ هُوَ مُجَسِّمُ اَلْأَجْسَامِ، وَمُصَوِّرُ اَلصُّوَرِ، وَخَالِقُ اَلْأَعْرَاضِ وَاَلْجَوَاهِرِ، وَرَبُّ كُلِّ شَيْءٍ، وَمَالِكُهُ، وَجَاعِلُهُ، وَمُحْدِثُهُ.

وَإِنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ خَاتَمُ اَلنَّبِيِّينَ فَلاَ نَبِيَّ بَعْدَهُ إِلَى يَوْمِ اَلْقِيَامَةِ، وَإِنَّ شَرِيعَتَهُ خَاتِمَةُ اَلشَّرَائِعِ فَلاَ شَرِيعَةَ بَعْدَهَا إِلَى يَوْمِ اَلْقِيَامَةِ.

وَأَقُولُ إِنَّ اَلْإِمَامَ وَاَلْخَلِيفَةَ وَوَلِيَّ اَلْأَمْرِ بَعْدَهُ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ)، ثُمَّ اَلْحَسَنُ، ثُمَّ اَلْحُسَيْنُ، ثُمَّ عَلِيُّ بْنُ اَلْحُسَيْنِ، ثُمَّ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، ثُمَّ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثُمَّ مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ، ثُمَّ عَلِيُّ بْنُ مُوسَى، ثُمَّ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، ثُمَّ أَنْتَ يَا مَوْلاَيَ.

فَقَالَ عَلِيٌّ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ): وَمِنْ بَعْدِي اَلْحَسَنُ اِبْنِي. فَكَيْفَ لِلنَّاسِ بِالْخَلَفِ مِنْ بَعْدِهِ؟

قَالَ: فَقُلْتُ: وَكَيْفَ ذَاكَ يَا مَوْلاَيَ؟

قَالَ (عليه السَّلام): لِأَنَّهُ لاَ يُرَى شَخْصُهُ، وَلاَ يَحِلُّ ذِكْرُهُ بِاسْمِهِ حَتَّى يَخْرُجَ فَيَمْلَأَ اَلْأَرْضَ قِسْطًا وَعَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ ظُلْمًا وَجَوْرًا.

قَالَ: فَقُلْتُ: أَقْرَرْتُ. وَأَقُولُ إِنَّ وَلِيَّهُمْ وَلِيُّ اَللَّهِ، وَعَدُوَّهُمْ عَدُوُّ اَللَّهِ، وَطَاعَتَهُمْ طَاعَةُ اَللَّهِ، وَمَعْصِيَتَهُمْ مَعْصِيَةُ اَللَّهِ.

وَأَقُولُ إِنَّ اَلْمِعْرَاجَ حَقٌّ، وَاَلْمُسَاءَلَةَ فِي اَلْقَبْرِ حَقٌّ، وَإِنَّ اَلْجَنَّةَ حَقٌّ، وَاَلنَّارَ حَقٌّ، وَاَلصِّرَاطَ حَقٌّ، وَاَلْمِيزَانَ حَقٌّ، وَإِنَّ اَلسّٰاعَةَ آتِيَةٌ لاٰ رَيْبَ فِيهٰا، وَإِنَّ اَللّٰهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي اَلْقُبُورِ.

وَأَقُولُ إِنَّ اَلْفَرَائِضَ اَلْوَاجِبَةَ بَعْدَ اَلْوَلاَيَةِ اَلصَّلاَةُ وَاَلزَّكَاةُ وَاَلصَّوْمُ وَاَلْحَجُّ وَاَلْجِهَادُ وَاَلْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَاَلنَّهْيُ عَنِ اَلْمُنْكَرِ.

فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ): يَا أَبَا اَلْقَاسِمِ، هَذَا وَاَللَّهِ دِينُ اَللَّهِ اَلَّذِي اِرْتَضَاهُ لِعِبَادِهِ، فَاثْبُتْ عَلَيْهِ أَثْبَتَكَ اَللَّهُ بِالْقَوْلِ اَلثّٰابِتِ فِي اَلْحَيٰاةِ اَلدُّنْيٰا وَفِي اَلْآخِرَةِ“[11].

لا يبعد أن يكون الوجه في شرط (الوثوق بالدين) هو تحمُّل الإمام للقراءة وهي ممَّا تبطل الصلاة بتركه عمدًا، وبالتالي فإمَّا أن يكون المُتحمِّل لها مرضيًا عند الله تعالى فيكون تحمُّله مجزيًا عن المأموم، وإلَّا فصلاة المأموم باطلة، وقد صرَّحت الرِّوايات الشريفة بكون إمام الجماعة وفدًا إلى الله تعالى لمن ياتمُّ به. فتأمَّل.

 

لذا فإنَّ ما يظهر رجحانه هو هذا الحمل الثَّاني.

ثُمَّ إنَّ هذا النمط العالي الذي لا يُشكّ في كونه على دين الله عارفًا غير منكر، ويُقابله:

  1. عارِفٌ في الجملة، ولا يُنكِر ما لا يعرفه لو أتيحت له المعرفة.
  2. عارِفٌ في الجملة يُتوقَّع منه الإنكار لو عُرِّف به.
  3. عارفٌ مُنكِر.

 

فإن قلنا بعدم جواز إمامة غير المماثل لعبد العظيم الحسني (رضوان الله تعالى عليه) لتضيَّقت إمامةُ الجماعة في خصوص العارِف بأنَّ الله تعالى “وَاحِدٌ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، خَارِجٌ مِنَ اَلْحَدَّيْنِ؛ حَدِّ اَلْإِبْطَالِ وَحَدِّ اَلتَّشْبِيهِ. وَإِنَّهُ لَيْسَ بِجِسْمٍ وَلاَ صُورَةٍ وَلاَ عَرَضٍ وَلاَ جَوْهَرٍ، بَلْ هُوَ مُجَسِّمُ اَلْأَجْسَامِ، وَمُصَوِّرُ اَلصُّوَرِ، وَخَالِقُ اَلْأَعْرَاضِ وَاَلْجَوَاهِرِ، وَرَبُّ كُلِّ شَيْءٍ، وَمَالِكُهُ، وَجَاعِلُهُ، وَمُحْدِثُهُ” ولو معرفة المعنى دون المصطلح.

وقد تتَّسِع لتشمل العارِفَ في الجملةِ ولا يُنكِر ما لا يَعرِفه لو عرفه، أمَّا من يُظَنُّ منه الإنكار فمقتضى الاحتياط ترك الاقتداء به، على أن يكون الظَّنُّ سائغًا ونوعيًّا عند المُنصفين من المؤمنين.

وروى الفقيهُ عن الإمام الصادق (عليه السَّلام) أنَّه قال: “ثَلاَثَةٌ لاَ يُصَلَّى خَلْفَهُمُ؛ اَلْمَجْهُولُ؛ وَاَلْغَالِي وَإِنْ كَانَ يَقُولُ بِقَوْلِكَ، وَاَلْمُجَاهِرُ بِالْفِسْقِ وَإِنْ كَانَ مُقْتَصِدًا“[12].

أمَّا معرفة الإمام فلازم الوقوف على عدالته ودينه، وأمَّا الغلو فكفر وهو ناقض للدِّين، والمجاهرة بالفسق واردة على العدالة، وبانهدامها لا تنفع الاستقامة في الدِّين. فرواية الفقيه تامَّة الدَّلالة من جهة الوارد على الدِّين، ولكنَّها أخصُّ من جهة المجاهر بالفسق؛ حيث إنَّ الكلام في الفاسق الأعم من المجاهر وغيره.

ويصحُّ حملُها على الأولويَّة قياسًا على رواية عيون أخبار الرِّضا (عليه السَّلام) عن الفضل بن شاذان، عن الإمام الرِّضا (عليه السَّلام)، قال: “وَلاَ صَلاَةَ خَلْفَ اَلْفَاجِرِ“[13]؛ فالفسق هو الخروج عن طاعة الله تعالى، والفجور عدمُ المبالاة بارتكاب المعاصي.

ويؤيِّده الجزء المتقدِّم من رواية أبي عبد الله السياري؛ قال: قلتُ لأبي جعفر الثَّاني (عليه السَّلام): «قَوْمٌ مِنْ مَوَالِيكَ يَجْتَمِعُونَ فَتَحْضُرُ اَلصَّلاَةُ فَيَتَقَدَّمُ بَعْضُهُمْ فَيُصَلِّي جَمَاعَةً.

فَقَالَ (عليه السَّلام): إِنْ كَانَ اَلَّذِي يَؤُمُّ بِهِمْ أَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اَللَّهِ طَلِبَةٌ فَلْيَفْعَلْ». وعلَّق شيخُنا الحرُّ (علا برهانه) بقوله: “لَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ ذَنْبٌ لَمْ يَتُبْ مِنْهُ فَإِنَّهُ يَتَحَقَّقُ بِذَلِكَ انْتِفَاءُ الطَّلِبَةِ وَالْفِسْقِ عَنْهُ“[14].

أمَّا الآخر فقال السياري فيه: “وَقُلْتُ لَهُ مَرَّةً: أُخْبِرْتُ أَنَّ اَلْقَوْمَ مِنْ مَوَالِيكَ يَجْتَمِعُونَ فَتَحْضُرُ اَلصَّلاَةُ فَيُؤَذِّنُ بَعْضُهُمْ وَيَتَقَدَّمُهُمْ أَحَدُهُمْ فَيُصَلِّي بِهِمْ.

فَقَالَ (عليه السَّلام): إِنْ كَانَتْ قُلُوبُهُمْ كُلُّهَا وَاحِدَةً فَلاَ بَأْسَ.

وَمَنْ لَهُمْ بِمَعْرِفَةِ ذَلِكَ!

قَالَ (عليه السَّلام): فَدَعُوا اَلْإِمَامَةَ لِأَهْلِهَا“[15].

والأقرب حملها على التحذير من التسابق إلى إمامة الجماعة في الصَّلاة، ومن جهة أخرى بعث الأئمَّة للمحافظة على نقاء قلوبهم وصفاء سرائرهم.

أمَّا ما رواه الكليني بسنده عن سماعة بن مهران، قال: “سَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ كَانَ يُصَلِّي فَخَرَجَ اَلْإِمَامُ وَقَدْ صَلَّى اَلرَّجُلُ رَكْعَةً مِنْ صَلاَةٍ فَرِيضَةٍ.

فَقَالَ (عليه السَّلام): إِنْ كَانَ إِمَامًا عَدْلًا فَلْيُصَلِّ أُخْرَى وَيَنْصَرِفُ وَيَجْعَلُهُمَا تَطَوُّعًا، وَلْيَدْخُلْ مَعَ اَلْإِمَامِ فِي صَلاَتِهِ كَمَا هُوَ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إِمَامٌ عَدْلٌ فَلْيَبْنِ عَلَى صَلاَتِهِ كَمَا هُوَ وَيُصَلِّي رَكْعَةً أُخْرَى مَعَهُ يَجْلِسُ قَدْرَ مَا يَقُولُ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اَللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ)، ثُمَّ لْيُتِمَّ صَلاَتَهُ مَعَهُ عَلَى مَا اِسْتَطَاعَ؛ فَإِنَّ اَلتَّقِيَّةَ وَاسِعَةٌ وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنَ اَلتَّقِيَّةِ إِلَّا وَصَاحِبُهَا مَأْجُورٌ عَلَيْهَا إِنْ شَاءَ اَللَّهُ»[16].

فهي ليست بالمعنى المتقدِّم، بل بقرينة قوله (عليه السَّلام): “فإنَّ التقيَّةَ واسعةٌ …” يتعيَّن أنَّ العدالة في هذه الرواية الشريفة هي كون الرجل إماميًّا، ومن ذلك يظهر اشتباه من ذهب إلى عدِّها حجَّة على شرط العدالة بالمعنى محلّ الكلام في إمام الجماعة.

رواية أبي عبيدة:

ثَمَّة نكتةٌ في هذه الرِّواية الشَّريفة ينبغي الالتفات إليه لتصحيح أو صيانة المبنى في المقام.

روى ثِقَةُ الإسلام بسنده عن زياد بن عيسى أبو عبيدة الحذَّاء، قال: “سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ عَنِ اَلْقَوْمِ مِنْ أَصْحَابِنَا يَجْتَمِعُونَ فَتَحْضُرُ اَلصَّلاَةُ فَيَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ تَقَدَّمْ يَا فُلاَنُ!

فَقَالَ (عليه السَّلام): إِنَّ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ قَالَ يَتَقَدَّمُ اَلْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِلْقُرْآنِ، فَإِنْ كَانُوا فِي اَلْقِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً، فَإِنْ كَانُوا فِي اَلْهِجْرَةِ سَوَاءً فَأَكْبَرُهُمْ سِنًّا، فَإِنْ كَانُوا فِي اَلسِّنِّ سَوَاءً فَلْيَؤُمَّهُمْ أَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ وَأَفْقَهُهُمْ فِي اَلدِّينِ، وَلاَ يَتَقَدَّمَنَّ أَحَدُكُمُ اَلرَّجُلَ فِي مَنْزِلِهِ وَلاَ صَاحِبَ اَلسُّلْطَانِ فِي سُلْطَانِهِ”[17].

لا إشكال في أنَّ الفرض توفُّر الجميع على الاستقامة في الدِّين، والعدالة بمعنى عدم مقارفة الذنوب الناقضة لها كما تقدَّم بيانه.

ويُؤيِّدُه ما في الفقه المنسوب للإمام الرِّضا (عليه السَّلام) مع اختلاف في الترتيب، إذ فيه عن الإمام الكاظم (عليه السَّلام)، قال: “وَإِنَّ أَوْلَى اَلنَّاسِ بِالتَّقْدِيمِ فِي اَلْجَمَاعَةِ أَقْرَؤُهُمْ بِالْقُرْآنِ، وَإِنْ كَانَ فِي اَلْقُرْآنِ سَوَاءً فَأَفْقَهُهُمْ، وَإِنْ كَانَ فِي اَلْفِقْهِ سَوَاءً فَأَقْرَبُهُمْ هِجْرَةً، وَإِنْ كَانَ فِي اَلْهِجْرَةِ سَوَاءً فَأَسَنُّهُمْ، فَإِنْ كَانَ فِي اَلسِّنِّ سَوَاءً فَأَصْبَحُهُمْ وَجْهًا“[18].

وفي دعائم الإسلام عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) أَنَّهُ قَالَ: “يَؤُمُّ اَلْقَوْمَ أَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً، فَإِنِ اِسْتَوَوْا فَأَقْرَؤُهُمْ، فَإِنِ اِسْتَوَوْا فَأَفْقَهُهُمْ، فَإِنِ اسْتَوَوْا فَأَكْبَرُهُمْ سِنًّا“[19].

قال في المعتبر: “فإنْ اختَلَفُوا قُدِّمَ الأقْرَأ لِكِتَابِ اللّهِ تَعَالى، وَهُوَ قُولُ أكْثَرِ فُقَهَائِنَا“[20]، وفي القواعد: “والأقرأ لو اختلفوا، فالأفقه، فالأقدم هجرةً، فالأسن، فالأصبح، أولى من غيرهم“[21]، وقال في التحرير: “إذا تشاحَّ الأئمَّةُ، كان من يختاره المأمومونَ أولَى، فإنْ اخْتَلَفوا، قُدِّمَ الأقرأ؛ وهو الأبلغُ في التَّرتِيل وَمَعْرِفَةِ المَخَارِجِ وَالإعْرَابِ، فيما يُحتَاجُ إليه في الصلاةفإن تساويا في ذلك قُدِّمَ الأفقه، فإن تساويا فالأشرف، وهو أعلاهما نسبًا وقدرًا، وأفضلهما في نفسه، فإن تساويا فالأقدم هجرة، فإن تساويا فالأسنّ، وهو من كان سنّه في الإسلام أكثر، فإن تساويا فالأصبح وجهاً. وهذا التقديم على سبيل الأولويّة، فلو قدّم المفضول هنا جاز”[22]، وفي التذكرة: “ولو تَشَاحَّ الأئِمَّةُ قُدِّمَ مُخْتَارُ المُؤتمِّين، فإنْ اختلفوا فالأقرأ، فالأفقه، فالهاشميّ، فالأقدم هجرةً، فالأسنُّ في الإسلام، فالأصبحُ وجهًا أو ذِكرًا، فالقُرعَةُ“[23].

ولكنَّ المُحدِّث البحراني (نوَّر الله مرقده الشَّريف) يقول: “والَّذي يَقْرُبُ عِنْدِي أنَّ هَذِهِ الأخْبَارَ الدالَّة على تقديم الأقرأ إنَّما خَرَجَت مَخْرَجَ التَّقِيَّة؛ فَإنَّه قَولُ جُمْهُورِ العَامَّةِ وَبِهِ تَكَاثَرَتْ أخْبَارُهُم“[24].

كما وأورد الجواهرُ إشكالَ أنَّ “الأفقه أعرفُ وأعلمُ بأركان الصَّلاة وأحكامها، ولذا اسْتُحِبَّ أن يكون الفُضَلَاء في الصفِّ الأوَّل كي يُقَوِّمُوا الإمَامَ ويُنَبِّهُوه، وبِأنَّ المُحتَاجَ إليهِ مِنَ القِرَاءةِ مَحْصُورٌ، والفَرْضُ مَعرِفَةُ الفَقيهِ بِهِ، بِخِلَافِ الفِقْهِ فإنَّه غَيرُ مَحْصُورٍ؛ إذ قَد يَعْرضُ في الصَّلاة مَا لا يَكُونُ قد استعدَّ له الأقرأُ قبلَ ذَلِكَ، وبِمَا دَلَّ عليه العقلُ والنَّقلُ كِتَابًا وسُنَّةً مِنْ عِظَمِ مَرَاتِبِ العُلَمَاءِ، وعدم استواء من يعلم مع من لا يعلم، وأنَّهم كأنبياء بني إسرائيل، وأنَّه ﴿إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ﴾[25]، وإنَّ ﴿أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاّ أَنْ يُهْدى﴾[26]”[27]… إلى آخر كلامه زيد في مقامه.

أقول: إنَّ الترتيب في الرِّوايات ناظِرٌ إلى اجتماع المؤمنين في مكان واحد يكون فيهم الأقرأ بالنِّسبة لغيره ممَّن يُحسِن القراءة، والأعلم بالسُّنَّة والأفقه بالدِّين من عمومهم، ولا يقال له عالِمٌ ولا فقيه، وهذه هي النُّكتة الَّتي أردت التنبُّه لها. فيصحُّ ما أورده الجواهر في ما لو اجتمع قارئٌ وفقيهٌ في مكان واحد.

 

محصّلة الكلام:

يتحصَّل إذن أنَّ إمام الجماعة في الرِّوايات الشَّريفة دائِرٌ بين عامَّة المؤمنين دون أن يكون بينهم عالِمٌ، وأن يكون بينهم عالِم، فإن لم يكن بينهم عالِمٌ جرى الترتيب الَّذي تبينه الروايات الشريفة، وإن كان بينهم عالِمٌ قُدِّمَ؛ لما رُوي عن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) أنَّه قال: “إِمَامُ اَلْقَوْمِ وَافِدُهُمْ، فَقَدِّمُوا أَفْضَلَكُمْ“[28]، و(إمَامُ القَومِ وَافِدُهُم) “أي رَسُولُهُم وَالمُتَكَلِّمُ عَنْهُم، وَلِهَذَا وَرَدَ القُرْآنُ بِلَفْظِ‍ الجَمَاعَةِ مَلْفُوظًا في (إِيّٰاكَ نَعْبُدُ) وَمِثْلُهُ، وَمُقَدَّرًا في (اَلْحَمْدُ لِلّٰهِ) وَنَحْوُهُ، وَلِهَذَا لَا يُقْرَأ خَلْفَهُ كَمَا سَيَجِيء، فَقَدِّمُوا أفْضَلَكُم مِنْ جِهَةِ العِلْمِ، وَالتَّقْوَى، وَالزُّهْدِ، وَأنْوَاعِ القُرَبِ؛ لِيُصَيِّرَ صَلَاتَكُم بِبَرَكَةِ صَلَاتِهِ مَقْبُولَةً“[29].

وفي قُرب الإسناد عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة، قال: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ آبَائِهِ، أَنَّ اَلنَّبِيَّ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) قَالَ: “وَإِنَّ أَئِمَّتَكُمْ وَفْدُكُمْ إِلَى اَللَّهِ، فَانْظُرُوا مَنْ تُوْفِدُونَ فِي دِينِكُمْ وَصَلاَتِكُمْ“[30].

في صدر رواية قرب الإسناد قال الرَّسول (صلَّى الله عليه وآله): “فِي كُلِّ خَلَفٍ مِنْ أُمَّتِي عَدْلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي، يَنْفِي عَنْ هَذَا اَلدِّينِ تَحْرِيفَ اَلْغَالِينَ، وَاِنْتِحَالَ اَلْمُبْطِلِينَ، وَتَأْوِيلَ اَلْجُهَّالِ“، والظَّاهر أنَّ الجزء الآخر منها أعمُّ فيشمل إمامَ الأصل (عليه السَّلام) وغيره من العلماء والفقهاء، في ما يختصُّ الأوَّلُ بالمَعصُومين (عليهم السَّلام).

إنَّ موقعَ إمامِ الدِّين وإمامِ الصَّلاة خطيرٌ لكون الإمام فيهما وفد من يأتمُّ بِه، وفي كلاهما بعد المعصوم (عليه السَّلام) العالِمُ الفقيهُ بلا مُزاحِم بعد الفراغ مِنْ أنَّ العَدَالَةَ في نَفْسِهِ مَلَكَةٌ راسِخَةٌ، ومع عدمه تنحصر إمامة الصَّلاة في العادل فَيَسْلَم المُؤتمُّ بِه من التضييع.

 

مسألةُ اختصاص الصَّفِّ الأوَّل بأهل الفضل:

روى في الكافي بسنده عَنْ جَابِر بنِ يزيدٍ الجُعفي، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ)، قَالَ: “لِيَكُنِ اَلَّذِينَ يَلُونَ اَلْإِمَامَ أُولِي اَلْأَحْلاَمِ مِنْكُمْ وَاَلنُّهَى؛ فَإِنْ نَسِيَ اَلْإِمَامُ أَوْ تَعَايَا قَوَّمُوهُ“[31].

وفيه بسنده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، قَالَ: “سُئِلَ أَبُو عَبْدِ اَللَّهِ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) عَنِ اَلرَّجُلِ يَؤُمُّ اَلْقَوْمَ فَيَغْلَطُ! قَالَ (عليه السَّلام): يَفْتَحُ عَلَيْهِ مَنْ خَلْفَهُ“[32].

لا يبعُدُ أنْ يكون في الحثِّ على تخصيص الصفِّ الأوَّل بأولي الأحلام والنُّهى؛ وهم أولو العقول والأناة، دلالةٌ على فضل الإمام عليهم، ولكنَّها ليست بالدَّلالة الواضحة، وحتَّى من اعتمدها فهو مُؤيِّدٌ لما يذهب إليه من تقديم الأفضل من جميع الجهات الَّتي لها دخالة في الوفاء بحقِّ ما يكون عُرضةً للتقويم مِن أهل الصفِّ الأوَّل.

 

الكلام حول الحوزوي والفقيه:

ثُمَّ إنَّه يصحُّ التَّوسُّع للحديث عن مصطلح (حوزوي)، فهو من المصطلحات المستحدثة، وإلَّا فالأصل هو طلب العلم من مصادره وهم الأئمَّة (عليهم السَّلام)، وهو قوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَافَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾[33]، ففي تفسير العيَّاشي عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: «كَتَبَ إِلَيَّ أَبُو اَلْحَسَنِ اَلرِّضَا (عَلَيْهِ السَّلاَمُ): عَافَانَا اَللَّهُ وَإِيَّاكَ أَحْسَنَ عَافِيَةٍ، إِنَّمَا شِيعَتُنَا مَنْ تَابَعَنَا وَلَمْ يُخَالِفْنَا، وَإِذَا خِفْنَا خَافَ وَإِذَا أَمِنَّا أَمِنَ؛ قَالَ اَللَّهُ ﴿فَسْئَلُوا أَهْلَ اَلذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاٰ تَعْلَمُونَ، قَالَ: ﴿فَلَوْ لاٰ نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طٰائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي اَلدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ اَلْآيَةِ. فَقَدْ فُرِضَتْ عَلَيْكُمُ اَلْمَسْأَلَةُ وَاَلرَّدُّ إِلَيْنَا، وَلَمْ يُفْرَضْ عَلَيْنَا اَلْجَوَابُ، أَوَلَمْ تُنْهَوْا عَنْ كَثْرَةِ اَلْمَسَائِلِ فَأَبَيْتُمْ أَنْ تَنْتَهُوا؟ إِيَّاكُمْ وَذَاكَ؛ فَإِنَّهُ إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ لِأَنْبِيَائِهِمْ؛ قَالَ اَللَّهُ: ﴿يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا لاٰ تَسْئَلُوا عَنْ أَشْيٰاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾»[34].

ثُمَّ الفقهاء والعلماء الآخذين عن النبع الصَّافي، وتلامذتهم، وهكذا يأخذ العِلمَ جيلٌ عن جيل، وكابرٌ عن كابر.

عندما اجتمع أهلُ العلم وبدأت الحواضر العلميَّة في التكَوُّنِ تَشَكَّلتِ الحوزات والمدارس، ودخل طلبُ العلم في أطوار إدارية أخذت في التبلور إلى أن وصلت إلى ما هي عليه اليوم.

وبذلك يتنقَّح عندنا مبدأ التلبُّس لِمن يتقدَّم الجماعة لإمامتهم في الصَّلاة، وهو (طلب العلم)، أي أن يكون (طالبَ عِلمٍ)، وهذا في نظر القائلين بعدم جواز الائتمام بغيره مع وجوده وإمكان الوصول إليه حتَّى مع إحراز انتفاء الهتك والتضعيف في ما لو اقتُدي بغيره من غير طلبة العلم أو المعمَّمين.

فأستقرِبُ أن يَكُونَ حديثُ الفاضلِ العالي (وقاه الله تعالى شرورَ الجنِّ والإنس)، ومن يذهب من المراجع إلى عدم جواز الانصراف عن طالب العلم مع وجوده وإمكان الوصول إليه إلى غيره من عامَّة المؤمنين مُتَوجِّهًا إلى فرض تقدُّمِه، وأقصد طالب العلم، على غيره في ما يتقدَّم فيه العالِمُ الفقيه، فهو أدون من العالم الفقيه وأعلى من عامَّة النَّاس.

ومن جهة أخرى فإنَّ التحذير من تقدُّم غير طالب العلم ناظِرٌ إلى ما في فتح هذا الباب من أخطار قد يصعب تداركها إذا ما وقعت، ومنها تسلُّل الأفكار الخاطئة والأفهام الباطلة إلى عامَّة المؤمنين كما أشرنا إليه من قبل، ويرجع ذلك إلى كُبرى مُسلَّمة؛ وهي: حُرمَةُ إيقاع ما يُوجِب الابتِعاد عن الدِّين أو عن تعاليمه الصحيحة. وبالإضافة إلى حُرمة المُوجِب لكونه مقدِّمة فإنَّ رواية الإمام الصادق (عليه السَّلام): “فَكُلُّ شَيْءٍ يَعْمَلُ اَلْمُؤْمِنُ بَيْنَهُمْ لِمَكَانِ اَلتَّقِيَّةِ مِمَّا لاَ يُؤَدِّي إِلَى اَلْفَسَادِ فِي اَلدِّينِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ” تامَّة الدلالة على حرمة ما يُؤدِّي إلى الفساد في الدِّين.

وبتطبيق القاعدة ذهبَ بعضٌ إلى عدم جواز الصَّلاة خلف غير (الحوزوي) أو (المعمَّم) مع وجوده وإمكان الوصول إليه، لِما في ذلك من فساد محتمل.

وفيه: إنَّه يتضمَّن الاستدلال بسدِّ الذرائع؛ من جهة أنَّ الصَّلاة خلف (غير الحوزوي) أو غير (المعمَّم) قد تترتَّب عليها مفاسد مُقدَّرة.

وإن قِيل: احتمال المفاسد كاف لمنع مقدماتها، ولا يدخل الاستدلال تحت سدِّ الذرائع.

فإنَّه يُقال: هذا صحيح مع شرط قوَّة الاحتمال فعلًا.

ويُردُّ بكفاية قوَّة المُحتَمل وكون الاحتمال عقلائيًّا وعدم بُعدِه؛ لوجود ظروف مؤاتية أو ما شابه.

فأقول: تبقى المسألة تقديريَّة وراجعة إلى تشخيص الواقع الخارجي وما فيه من معطيات، ولا يبعد أن يكون هذا هو ما عناه الفاضل العالي (وقاه الله تعالى طوارق الحدثان) بقوله أنَّ المحاريب وإمامة الجماعة (شان ديني) وينبغي أن يبقى (بيد العلماء).

وقد يُقال بوجود نفس المحذورات من طلبة العلم. والجواب المُقدَّر هو أنَّ طالب العلم يبقى تحت يد العلماء إلى حدٍّ ما.

وكيف كان، ففي الأمر نقاش وأخذ ورد.

 

الجماعة في المساجد:

بالبناء على ما أفاده الفاضل العالي (زاه الله تعالى حكمة وبصيرة) فإنَّه لا إشكال في جواز إمامة العادل من غير طلبة العلم للجماعة مع عدم وجود طالب العلم وعدم إمكان الوصول إليه، وكذا في الحالات الطارئة، ولن ندخل الآن في ذكر أمثلة لها. غير أنَّ الكلام يأخذ طريقًا للنظر في وجود أو عدم وجود خصوصيَّة للإمام الرَّاتب من جهة درجته ومقامه العلمي.

ذكر الشَّيخ الفاضل (حفظه الله تعالى ورعاه) مُضي سيرة المحاريب على أن لا يشغلها غيرُ عالِمٍ أو طَالبِ عِلمٍ، والرَّاجح اتِّصالها بسيرةٍ للمُتشرِّعة، ولكنَّ الكلام في إمكان أن تكون هذه السِّيرة مانعة شرعًا لأن يكون غيرُ طالب العلم إمامًا راتِبًا!

نُلمِعُ أوَّلًا إلى أمر من كلام للشَّهيد في الذِّكرى؛ قال: “وَلَو تَأخَّرَ الإمامُ الرَّاتِبُ اسْتُحِبَّ مُرَاسَلَتُهُ لِيَحضُرَ أو يَسْتَنيبَ، وَلَو بَعُدَ مَنْزِلُهُ وَخَافُوا فَوتَ وَقْتِ الفَضيلَةِ قَدَّمُوا مَنْ يَخْتَارُونَهُ“[35]. فمِن كلامه (قدَّس اللهُ نفسه) لا تظهر أدنى عناية بتقديم البحث عن إمامٍ من طلبة العلم يؤمُّ جماعةً في مسجدٍ قريبٍ أو ما نحو ذلك، ولكنَّ الواضح هو الإحالة المباشِرَة إلى تقديم من يختارونه، وبطبيعة الحال ممَّن تتوفَّر فيه شروط إمامة الجماعة.

أمَّا محاريب المساجد فلا يجِدُ الباحِثُ في نفسه شكًّا في اقتصارها على خصوص العُلمَاء مِن بعد الفقهاء، ولا نستبعد أن تكون إمامة طالب العلم من دون العلماء للجماعة في المسجد بإجازةِ العالِم وتزكيته، بل شهدنا قبل عقود بُعدَ تصور إمامة غير الفاضل للجماعة أو أن يكون على طريق الفضل، ولو طُرِحَ الأمر بين المؤمنين لأنكروه وكأنَّه عبثٌ بالدِّين!

هذا، ولكِنَّني لم أقف على نصوص واضحة تمنع من أن يكون غير طالب العلم إمامًا راتبًا، ولكنَّه لن يكون كذلك بغير تنصيب العالِم أو اجتماع أهل المسجد عليه. نعم؛ هناك ما يدل على جهة كمال في إمامة الفاضل والحثِّ على عدم تقديم غيره.

قال غارسُ الحدائق (علا برهانه): “ومِمَّا يدلُّ على ما اخترناه ما لا خلاف فيه بين الإماميَّة من قُبحِ تقديم المفضول على الفاضل“[36]، وقال أوَّلُ الشَّهيدين في الذكرى: “قول ابن أبي عقيل بمنع إمامة المفضول بالفاضل، ومنع إمامة الجاهل بالعالم، إنْ أرَادَ بِه الكراهيَّة فحسن، وإن أراد به التَّحريم أمكن استناده إلى أنَّ ذلك يقبح عقلًا، وهو الَّذي اعتمد عليه مُحَقِّقُو الأصوليين في الإمامة الكبرى، ولِقَول الله جلَّ اسمُه: ﴿أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾[37]”[38].

واستدلوا على ذلك بمثل ما مرَّ من روايات أنَّ الإمامَ وفدُ من يأتمُّ به، وقول أمير المؤمنين (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ): “إِنْ سَرَّكُمْ أَنْ تُزَكُّوا صَلاَتَكُمْ فَقَدِّمُوا خِيَارَكُمْ“[39]، ومرفوعة محمَّد بن عبيد الله العزرمي إِلَى رَسُولِ اَللَّهِ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ)، قَالَ: “مَنْ أَمَّ قَوْمًا وَفِيهِمْ أَعْلَمُ مِنْهُ أَوْ أَفْقَهُ مِنْهُ لَمْ يَزَلْ أَمْرُهُمْ فِي سَفَالٍ إِلَى يَوْمِ اَلْقِيَامَةِ“[40]، وما عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ)، قَالَ: قُلْتُ لَهُ: “اَلصَّلاَةُ خَلْفَ اَلْعَبْدِ؟ فَقَالَ (عليه السَّلام): لاَ بَأْسَ بِهِ إِذَا كَانَ فَقِيهًا وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ أَفْقَهُ مِنْهُ. قَالَ: قُلْتُ: أُصَلِّي خَلْفَ اَلْأَعْمَى؟ قَالَ (عليه السَّلام): نَعَمْ إِذَا كَانَ لَهُ مَنْ يُسَدِّدُهُ وَكَانَ أَفْضَلَهُمْ”[41]، وما عن سَمَاعَةَ بنِ مِهرَان، قَالَ: “سَأَلْتُهُ عَنِ اَلْمَمْلُوكِ يَؤُمُّ اَلنَّاسَ؟ فَقَالَ (عليه السَّلام): “لاَ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ هُوَ أَفْقَهَهُمْ وَأَعْلَمَهُمْ“[42].

إنَّ القدر المتيقن من هذه الروايات الشريفة هو تقديم (الأفضل)، ما عدا رواية زرارة عن أبي جعفر (عليه السَّلام) فهي تنصُّ على أن يكون العبدُ (فقيهًا) ليُقدَّم، ونستبعد دوران الأمر في مثل هذه الروايات الشريفة بين الفقهاء فيُقدَّم الأفقه، بل الظاهر من مجموعها دورانه بين من تصحُّ إمامته، فيكون الأفقه بمعنى الأعلم بالسُّنَّة والدِّين. أمَّا الفقيه فلا يُقدَّم عليه غيره إلَّا أن يكون فقيهًا.

ثُمَّ إنَّ الظاهر من سؤال الأصحاب هو أنَّ إمام الجماعة إمامًا راتبًا، وهم يسألون عن الصَّلاة خلفه، وإلَّا ففي غير الجماعة المنتظمة يُقدَّم الواجد للشرائط من ذكورة وعقل وإيمان وعدل وطهارة مولد. نعم؛ لا يمنع دخول هذه الحالات تحت عموم الجواب، إلَّا أنَّ ما نستقربه توجُّهه إلى الجماعة المنتظمة كما في المساجد، ويكفي شاهدًا على استقرابنا قوله (صلَّى الله عليه وآله): «لَمْ يَزَلْ أَمْرُهُمْ فِي سَفَالٍ إِلَى يَوْمِ اَلْقِيَامَةِ» لوضوح ظهوره في الاستمرار، ومصداقه الأبرز صلاة الجماعة في المسجد، ناهيك عن أنَّ أحدًا لم يقل بشرط الفقاهة في إمام الجماعة بحيث لا تكون جائزة بدونه.

 

استفتاءات بعض مراجع الدِّين:

وافقَ بيانُ الفاضل العالي (أحاطه الله تعالى بجميل عنايته) الميرزا التبريزي (رضوان الله تعالى عليه) والسَّيد الخامنئي (دام ظلُّه)، ولم يقع مُفارِقًا لغيرهما من المراجع، إلَّا مع عدم الالتفات لِما وفِّقنا لبيانه من تفصيل في المسألة.

أمَّا الفتاوى فقد رتبناها على النحو الظاهر أدناه:

  • الميرزا جواد التبريزي (قدَّس الله نفسه): “لا تجوز الصلاة خلف غير المعمّم مع وجود المعمّم الواجد لشرائط الإمامة، والله العالم.“[43].
  • السَّيد الخامنئي (دام ظِلُّه) كما في جوابٍ ورد من المكتب الرَّسمي: “إذا أمكن الوصول إلى عالم الدين (المراد هو العالم المعمم مع توفر سائر الشروط ومنها العدالة) فلا يُقتدى بغيره، وإلَّا فلا مانع منه مع توفر شروط إمام الجماعة ومنها العدالة.“[44].
  • فيما علَّق السَّيد السِّيستاني (دام ظِلُّه)، كما في جوابٍ عن مكتبه في لبنان، الجوازَ على عدم حصول التوهين للمُعمَّم؛ فكان الجوابُ على سؤالِ: “لوحظ في الآونة الأخيرة أن صلاة الجماعة تُقام في بعض المساجد وأن الإمام لا يكون مُلبّساً بالزيّ الديني أي أنه يلبس البنطلون والقميص والناس يأتمّون به، فهل يجوز هذا الفعل في الإسلام؟”.

ما نصُّه: “لا بأس به بحدّ ذاته. نعم إذا كان يوجد معمّم مؤهّل لصلاة الجماعة واجد للشرائط بحيث كان تصدّي غير المعمّم يعدّ توهيناً له لما يمثّله من موقع فلا يجوز لغير المعمّم حينئذٍ التصدّي“[45].

 

  • ومثله الشَّيخ الفيَّاض (دام ظِلُّه)؛ حيث قال: “إذا عدَّ ذلك هتكًا لطالب العلم بنظر الناس وتحقيرًا له لم يجز، وإلَّا فلا مانع منه“[46].

 

  • ويرى السَّيد محمَّد سعيد الحكيم (قدَّس الله نفسه) أفضلية تقديم عالم الدِّين المُعمَّم الواجد لشراط إمام الجماعة، إذ قال: “لا مانع منه، وإن كان الأنسب والأفضل تقديم عالم الدين المعمّم في صورة توفر الشرائط الشرعية تجليلًا لمقام عالم الدين.“[47].

 

  • ومثله السَّيد صادق الشِّيرازي (دام ظِلُّه) مع إضافةِ تعليلٍ للتفضيل، فقال: “إذا كان جامعًا لشرائط الإمامة جاز الاقتداء، والأفضل أن يكون إمام الجماعة معممًا اقتداء برسول الله والائمة الأطهار صلوات الله عليهم.“[48].

 

  • فيما ذهب السَّيد المُدرِّسي إلى الجواز ولم يذكر في الجواب تفضيلًا للمعمَّم على غيره، إذ جاء فيه: “لا بأس مع مراعاة توافر شروط إمام الجماعة، وليس منها التعمُّم”[49].[50]

 

إذن؛ فمسألة تقدُّم (غير المعمَّم) أو (غير طالب العلم) لإمامة الجماعة مُثَارة ومطروحة على المراجع، ولكنَّ الجواب على سؤالِ جَوَازِ تَقَدُّمِ (غير طالب العلم) من عدمه اختلف بين قائل بعدم الجواز، وآخر علَّق الجواز على عدم حصول التوهين والهتك لطالب العلم في نظر النَّاس، وثالث نفى البأس مطلقًا.

ولكنَّ ما ينبغي التنبيه عليه هو أنَّ القصد من (العِمامة) أن يكون المتقدِّم لإمامة الجماعة (طالب علم)، ولذا فإذا كان جوابُ السَّيدين الشيرازي والمُدرِّسي مبنيًّا على أنَّ الكلام عن مجرَّد (التعمُّم) فهو خارج عن محل البحث؛ ففي الحوزة العلميَّة لا سيَّما عندنا في البحرين وفي مثل الأحساء والقطيف علماء مُسلَّمو الكفاءة إلَّا أنَّهم لا يلبسون العمامة، لذا فمِن الواضح أنَّ الكلام عن تصدِّي (غير طالب العلم) لإمامة الجماعة، وإنَّما العمامة أمارةٌ على كونه طالِبَ عِلمٍ.

ثُمَّ إنَّنا لا نتمكَّن من إحراز استقرار الرأي الفقهي على عدم جواز إمامة (غير طالب العلم) من الأجوبة المذكورة أعلاه، وأقصى ما يمكن إحرازه هو:

1/ عدم جواز الائتمام (بغير طالب العلم) أو (غير المعمَّم) مع وجوده وإمكان الوصول إليه (الميرزا التبريزي والسَّيد الخامنئي).

التعليق: فإمامة (غير طالب العلم) أو (غير المعمَّم) جائزة بلا إشكال مع توفُّرِه على شروطها، وإنَّما الكلام في جواز إمامته مع وجود (طالب العلم) أو (المعمَّم) وإمكان الوصول إليه.

2/ أنَّ (العِمامةَ) (وطلب العلم) ليسا من شروط إمام الجماعة (السَّيد السِّيستاني، والشَّيخ الفيَّاض، والسَّيد الحكيم، والسَّيد الشِّيرازي، والسَّيد المُدرِّسي).

 

أسئلة مقترحة للاستفتاء:

لإحراز ما تريده الفتوى الأولى على وجه التحديد، ولرفع أدنى لبس فإنَّنا نقترح اشتمال الاستفتاء على الأسئلة التالية، مع الأخذ في الاعتبار نزول الاستفتاءات إلى عامَّة النَّاس، ومن سمات العامَّة طلب الوضوح التَّام في الجواب:

1/ هل لنفس العمامة (كقطعة قماش) اعتبار خاص؟ أو أنَّها معتبرة من حيث دلالتها على كون متقلدها طالب علم؟

2/ هناك مِنَ العلماء لا خلاف في قوَّة تحصيلهم العلمي ولا يزالون يمارسون التدريس على أرفع المستويات، ولكنَّهم لا يلبسون العمامة، فهل يُنصرف عنهم إلى المُعمَّم الأقل تحصيلًا للائتمام به في صلاة الجماعة؟

3/ إذا لم يحصل أدنى هتك أو تضعيف للمعمَّم في حال الانصراف عنه للائتمام بغير المعمَّم، فهل يبقى الإشكال قائمًا؟

4/ لو درس لفترة قصيرة وتعمم ثُمَّ ترك الدرس واشتغل بالخطابة مثلًا، فهل يبقى القول بتقديمه على غيره لو كان طالب علم محصل ولا يزال يشتغل بالتحصيل، ولكنَّه غير معمم؟

5/ على فرض وجود المعمَّم المُحصِّل، ولكنَّ أحد المؤمنين اقتدى بغير المُعمَّم في مسجد آخر في نفس المنطقة، فهل تبطل صلاته؟

مع ملاحظة أنَّ الفرض في الأسئلة أعلاه هو توفُّر الإمام على شرائط إمامة الجماعة المعروفة.

صعوبة إمامة الجماعة في بلادنا البحرين:

إلفاتٌ وتنبيه..

مِمَّا يتميَّز به شيعةُ البحرين صعوبة قبولهم بإمامة غير المعروف من طلبة العلم، بل والمعروف من غيرهم، كما وليس من السهل إقناع أحد مِن المؤمنين بالتقدم لإمامة الجماعة؛ فهم شديدو التحرُّز في أمر صلاة الجماعة، وإذا عُرِف عن شخص من غير طلبة العلم إمامته للجماعة فهو في الغالب محلُّ توافق بين جماعة المؤمنين.

بلى؛ تدعو بعضُ الظروف الواقعية لتدخل العلماء بالتحذير من تقديم غير الحوزوي لإمامة المؤمنين، كما فيما لو رُكِبَت إمامةُ الجماعة للنفوذ إلى النَّاس وتمريرِ أفكارِ ضَلالٍ وانحرافٍ في كلمات تُلقى بعد الصلاة وما نحو ذلك، بل ومن ذلك الأفكار الضعيفة وإن لم تكن أفكار ضلالٍ وانحرافٍ، وبشكل عام فإنَّ الخوف إنَّما هو من تصدِّي غير المُؤهَّل، وهذا ما واجهه العلماء فعلًا في بعض المجتمعات، ولكنَّه على أيِّ حالٍ عنوان طارئ يُعالجه التدخل الشَّرعي كأمر عارِض.

 

خلاصة الكلام:

يبدو لنا أنَّ تأكيد العلَّامة العالي (رعته عينُ الله تعالى) على كون (المحاريب وإمامة الجماعة) شأنًا دينيًّا، والشأن الديني ينبغي أن يبقى بيد العلماء يُوجِّه إلى أنَّ في الأمر عناوين ثانوية لها حضورها في حسابات العلماء.

هذا من جهة، ومن جهة أخرى تمسَّك (أعزَّه الله تعالى) في منيف كلامه بسيرة المحاريب والعلماء، وهي سيرة لا تعارِض ظواهر النصوص الشريفة في ما يخصُّ إمامة الجماعة وشروطها، بل قد جاءت مُؤكِّدة على تحقُّق الكفاية بالعلماء وانتفاء الحاجَّة لغيرهم في صلوات الجماعة.

بحسب ما بذلتُ من جهد فإنَّني لم أقف على دليل واضح يُنتصر به إلى طالب العلم في المقام بالعنوان الأوَّلي، إلَّا إذا كان المقصود منه هو العالم كما في جواب مكتب السَّيد الخامنئي “المراد هو العالم المعمم مع توفر سائر الشروط ومنها العدالة“، بل حتَّى لو كان (عالِمًا) وأمكن الوصول إليه، ولكنَّ جماعة من المؤمنين ائتمُّوا بغيره فغاية ما يمكن أن يُقال هو نقصان ثوابهم تمسُّكًا بمثل ما رواه الشَّهيد في الذكرى عن النبي (صلَّى الله عليه وآله) أنَّه قال: “من صلَّى خلف عالِمٍ فكأنَّما صلَّى خلف رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)“.

هذا والله سبحانه وتعالى العالم، نسأله جلَّ في عُلاه الهداية والرَّشاد، وأن يبتعد بنا عن طُرق الغواية والضلال، وأن يجعلنا ممَّن ينتصر بهم لدينه، ولا يجعلنا ألعوبة في أيادي الشياطين وجنودهم فنلهث وراء شهوات نفوسنا ونحسب أنَّنا نحسن صنعًا.. نعوذ بالله من الشياطين، بل من خطواتها.

الحمد لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمَّد وآله الطيبين الطاهرين.

 

وكتبه

 

السَّيد محمَّد بن السَّيد علي العلوي

12 صفر 1446 للهجرة

البحرين المحروسة

…………………………………………

 

[1] – لسان العرب، ابن منظور، ج1 (أمم) ص157.

[2] – سورة الأنبياء 73.

[3] – القصص 41.

[4] – رُويَ عن عبد الله بن أبي يعفور، قال: “قُلتُ لأبي عبد الله (عليه السَّلام): «بِمَ تُعْرَفُ عَدَالَةُ الرَّجُلِ بَينَ المُسْلِمينَ حَتَّى تُقْبَلَ شَهَادَتُهُ لَهُم وَعَلَيهم؟

فقال (عليه السَّلام): أنْ تَعْرِفُوهُ بِالسَّتْرِ وَالعَفَافِ، وَكَفِّ البَطْنِ وَالفَرْجِ وَاليَدِ وَاللسَانِ، وَتُعْرَفُ بِاجْتِنَابِ الكَبَائِرِ الَّتي أَوْعَدَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيهَا النَّارَ؛ مِنْ شُرْبِ الخُمُورِ، وَالزِّنَا، وَالرِّبَا، وَعُقُوقِ الوَالِدَينِ، وَالفِرَارِ مِنَ الزَّحْفِ وَغَيرِ ذَلِكَ. وَالدَّلَالَةُ على ذَلِكَ كُلِّهِ أنْ يَكُونَ سَاتِرًا لِجَميعِ عُيُوبِهِ حَتَّى يَحْرُمَ على المُسْلِمِينَ مَا وَرَاءَ ذَلِكَ مِنْ عَثَرَاتِهِ وَعُيُوبِهِ وَتَفْتيشِ مَا وَرَاءَ ذَلِكَ، وَيَجِبُ عَلَيهم تَزْكِيَتُهُ وَإظْهَارُ عَدَالَتِهِ في النَّاسِ، وَيَكُونُ مَعَهُ التَّعَاهُدُ لِلصَّلَوَاتِ الخَمْسِ إذَا وَاظَبَ عَلَيهِنَّ وَحَفظَ مَوَاقيتَهُنَّ بِحُضُورِ جَمَاعَةٍ مِنَ المُسْلِمينَ، وَأنْ لا يَتَخَلَّفُ عَنْ جَمَاعَتِهِم في مُصَلَّاهُم إلَّا مِنْ عِلَّةٍ، فَإذَا كَانَ كَذَلِكَ لَازِمًا لِمُصَلَّاهُ عِنْدَ حُضُورِ الصَّلَوَاتِ الخَمْسِ، فَإذَا سُئِلَ عَنْهُ في قَبِيلَتِهِ وَمَحِلَّتِهِ قَالُوا: مَا رَأينَا مِنْهُ إلَّا خَيرًا؛ مُوَاظِبًا على الصَّلَوَاتِ، مُتَعَاهِدًا لِأوقَاتِهَا في مُصَلَّاه. فَإنَّ ذَلِكَ يُجيزُ شَهَادَتَهُ وَعَدَالَتَهُ بَينَ المُسْلِمِينَ؛ وَذَلِكَ أنَّ الصَّلَاةَ سِتْرٌ، وَكَفَّارَةٌ لِلذُّنُوبِ، وَلَيسَ يُمْكِنُ الشَّهَادَةُ على الرَّجُلِ بِأنَّهُ يُصَلِّي إذَا كَانَ لَا يَحْضُرُ مُصَلَّاهُ وَيَتَعَاهَدُ جَمَاعَةَ المُسْلِمِينَ، وَإنَّمَا جَعَلَ الجَمَاعَةَ وَالاجْتِمَاعَ إلى الصَّلَاةِ لِكَي يُعْرَف مَنْ يُصَلِي مِمَّنْ لا يُصَلِّي، وَمَنْ يَحْفَظ مَواقِيتَ الصَلواتِ مِمَّنْ يُضَيِّع، وَلَو لا ذَلِكَ لَمْ يُمْكِنْ أَحَدٌ أنْ يَشْهَدَ على آخَر بِصَلَاحٍ؛ لِأنَّ مَنْ لا يُصَلِّي لَا صَلَاحَ لَهُ بَينَ المُسْلِمِينَ، فَإنَّ رَسُولَ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ) هَمَّ بِأنْ يَحْرِقَ قَومًا في مَنَازِلِهِم لِتَرْكِهِم الحُضُور لِجَمَاعَةِ المُسْلِمِينَ، وَقَدْ كَانَ مِنْهُم مَنْ يُصَلِّي في بَيتِهِ فَلَمْ يَقْبَلْ مِنْهُ ذَلِكَ. وَكَيفَ تُقْبَلُ شَهَادَةٌ أو عَدَالَةٌ بَينَ المُسْلِمِينَ مِمَّنْ جَرَى الحُكْمُ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَمِنْ رَسُولِهِ (صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ) فِيهِ الحَرْقَ في جَوفِ بَيتِهِ بِالنَّارِ، وَقَدْ كَانَ يَقُولُ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ): لا صَلَاةَ لِمَنْ لا يُصَلِّي في المَسْجِدِ مَعَ المُسْلِمِينَ إلَّا مِنْ عِلَّةٍ». (كتاب من لا يحضره الفقيه، الشَّيخ الصدوق، ج3 ص37-38).

[5] – الرسالة الصلاتية، الشَّيخ يوسف آل عصفور، المقصد الثَّاني: في صلاة الجماعة. والتفصيل في الجزء العاشر من الحدائق الناضرة.

[6] – تهذيب الأحكام، الشَّيخ الطوسي، ج3 ص31.

[7] – تهذيب الأحكام، الشَّيخ الطوسي، ج1 ص30.

[8] – تهذيب الأحكام، الشَّيخ الطوسي، ج1 ص30.

[9] – الكافي، ج ٣، الشيخ الكليني، ص ٣٧٨.

[10] – اختيار معرفة الرِّجال (رجال الكشي)، الشَّيخ الطوسي، ج1 ص496.

[11] – الأمالي، الشَّيخ الصدوق، ج1 ص338.

[12] – كتاب من لا يحضره الفقيه، الشَّيخ الصدوق، ج1 ص379.

[13] – عيون أخبار الرِّضا (عليه السَّلام)، ج2 ص121.

[14] – وسائل الشِّيعة، الحرُّ العاملي، ج8 ص316.

[15] – السَّرائر، ابن إدريس الحلِّي، (باب المستطرفات) ج3 ص570.

[16] – الكافي، الكليني، ج3 ص38.

[17] – الكافي، الشَّيخ الكليني، ج3 ص376.

[18] – الفقه المنسوب للإمام الرِّضا (عليه السَّلام)، ج1 ص143.

[19] – دعائم الإسلام، القاضي النُّعمان المغربي، ج1 ص152.

[20] – المعتبر في شرح المختصر، المُحقِّق الحلِّي، ج2 ص439.

[21] – قواعد الأحكام، العلَّامة الحلِّي، ج1 ص318.

[22] – تحرير الأحكام، العلَّامة الحليِّ، تحقيق: إبراهيم البهادري، ج1 ص322.

[23] – الدروس الشَّرعيَّة في فقه الإماميَّة، الشَّهيد الأوَّل، ج1 ص219.

[24] – الحدائق الناضرة، الشَّيخ يوسُف آل عصفور، ج11 ص208.

[25] – سورة فاطر 28.

[26] – سورة يونس 35.

[27] – جواهر الكلام، الشَّيخ محمَّد حسن النَّجفي، ج13 ص359.

[28] – كتاب من لا يحضره الفقيه، الشَّيخ الصدوق، ج1 377.

[29] – روضة المتقين، المجلسي، ج2 ص490.

[30] – قرب الإسناد، عبد الله بن جعفر الحميري، ج1 ص77.

[31] – الكافي، الكليني، ج3 ص372.

[32] – الكافي، الكليني، ج3 ص316.

[33] – التوبة: 122.

[34] – تفسير العيَّاشي، ج2 ص216.

[35] – الذِّكرى، الشَّهيد الأوَّل، ج1 ص272.

[36] – الحدائق الناضرة، الشَّيخ يوسف آل عصفور، ج11 ص205.

[37] – سورة يونس 35.

[38] – ذكرى الشِّيعة في أحكام الشريعة، الشَّهيد الأوَّل، ج4 ص457

[39] – كتاب من لا يحضره الفقيه، الشَّيخ الصدوق، ج1 ص377.

[40] – المحاسن، أحمد بن محمَّد بن خالد البرقي، ج1 ص93.

[41] – الكافي، الكليني، ج3 ص375.

[42] – تهذيب الأحكام، الشَّيخ الطوسي، ج3 ص29.

[43] – صراط النَّجاة، الميرزا جواد التبريزي، (مسائل في صلاة الجماعة والجمعة، سؤال: 1501) ج2 ص481.

[44] – رقم الاستفتاء: zkzpmz6 ، تاريخ الاستفتاء: 28 أبريل 2024 للميلاد.

[45] – المكتب الشَّرعي لسماحة السَّيد علي السيستاني دام ظله – لبنان، بتاريخ: 26 من ذي الحجَّة 1436 للهجرة. (عن الموقع الإلكتروني الرَّسمي لجمعية آل البيت الخيريَّة – برعاية سماحة آية الله العظمى السَّيد السيستاني دام ظلُّه).

[46] – مِن منشور للشَّيخ عادل الجوهر (حفظه الله تعالى) أرجعه إلى (الاستفتاءات الشرعية، م362).

[47] – من منشور للشَّيخ عادل الجوهر (حفظه الله تعالى) أرجعه إلى (استفتاء).

[48] – من منشور للشَّيخ عادل الجوهر (حفظه الله تعالى) أرجعه إلى (الموقع).

[49] – من منشور للشَّيخ عادل الجوهر (حفظه الله تعالى) أرجعه إلى (استفتاء).

[50] – الشَّيخ عادل الجوهر: (telegram): https://telegram.me/s/adelaljohr