Search
Close this search box.
logo_black

الوجه في التشبيه باتِّباع الفصيل أثرَ أُمِّه

الشيخ محمد صنقور

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

 

المسألة:

قول الإمام (ع) في نهج البلاغة: “وَلَقَدْ كُنْتُ أَتَّبِعُهُ اتِّبَاعَ الْفَصِيلِ أَثَرَ أُمِّهِ، يَرْفَعُ لي فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أخْلاقِهِ عَلَماً، وَيَأْمُرُني بِالاقْتِدَاءِ بِهِ”.

 

لدي سؤالان:

1- لماذا شبهه الإمام (ع) اتباعه بالفصيل أثر أُمِّه؟ ولم يختر غيره كالشبل أثر أمه؟ هل لأن الفصيل شديد الاتباع لأمه دون غيره؟ ولا يستقل عنها مثلاً.

2- لماذا قال (ع): “مِنْ أخْلاقِهِ عَلَماً” بفتح العين واللام وليس عِلْماً؟! ما الفرق بينهما؟

 

الجواب:

ج1- البلاغة -كما يُقال- هي مناسبة الكلام لمقتضى الحال، وحيث إنَّ المخاطَب بهذا التشبيه هم العرب والذين كانت الناقة هي الحيوان الأكثر تواجداً بينهم والأكثر نفعاً لهم وهم أعرف الناس بخصائصها وطباعها، لذلك فالمناسب لمقتضى الحال هو التشبيه بها دون غيرها من الحيوانات التي قد لا يعرفونها أو لا يعرفون لها هذه الخصوصية –وهي شدَّة محاكاة الفصيل لأمِّه- التي أراد الإمام (ع) أنْ يُشبِّه بها عمق علاقته بالنبيِّ الكريم (ص) وشدَّة اتِّباعه له وتمثُّلِه بخصاله وسجاياه.

 

فحين يكون المشبَّه به مألوفاً ويكون وجه الشبَه ظاهراً لدى المخاطَب يكون الكلام أبلغ في إيصال المدلول الذي يُراد إيصاله، ولعلَّه لذلك اختار القرآن الإبل للتنبيه به على عظيم قدرة الله تعالى وبديع صنعته فقال تعالى: ﴿أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ﴾([1]).

 

ولعلَّ مِن مناشئ اختيار التشبيه باتِّباع الفصيل أثرَ أمِّه هو تميُّز العلاقة بينهما عن العلاقة بين صغار الحيوانات المألوفة وأمهاتِها حتى أنَّها إذا رغت أجابها الفصيلُ -كما تقول العرب- بمثل رِغائها، كما أنَّ مدَّة اتِّباع الفصيل لأمِّه أطولُ من مدَّة اِتباع صغار الحيوانات بأمَّهاتها، فقد تمتدُّ لأكثر من ستة أشهر، ويظلُّ تابعاً لها حتى بعد الفِصال وبعد استقلاله بالأكل والشرب، وتتميَّز علاقة الناقة بفصيلها أنَّ لبنَها لا يدرُّ ما لم يلتقم فصيلُها ضرعَها، ولذلك إذا أراد الراعي أنْ يحلبها قرَّب إليها فصيلها ومكَّنه من اِلتقام ضرعِها فإذا درَّ لبنُها نحَّاه عنها وأخذ في حلبها، وكذلك فإنَّ الناقة تأبى غالباً أنْ يزاحِمَ فصيلُ غيرها فصيلها على ضرعها فقد تؤذيه لو اقترب منها أو حتى لو تبعها، فلعلَّ هذه الخصوصيات التي تميِّز العلاقة المتبادلة بين الفصيل وأمِّه هو منشأ اختيار الإمام (ع) تشبيه علاقته واتِّباعه لرسول الله (ص) باتِّباع الفصيل أثر أمِّه.

 

ج2- العلَم في قوله (ع): “يَرْفَعُ لي فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أخْلاقِهِ عَلَماً” يعني العلامة الدالَّة على الطريق فهو (ص) يرفع له كلَّ يومٍ مَعلَماً يستدلُّ به على الطريق الذي يتعيَّن عليه سلوكه للوصول إلى مكارم الأخلاق وحميد الصفات والخصال. فالتعريف بمكارم الأخلاق وسبل الوصول إليها يناسبُه التوصيف لها بالمعالم والأعلام، فهي ليست من قبيل العلم والتعليم والذي يعني هو الكشف عن واقعٍ مجهول. وإنَّما هي من قبيل إلإراءة للطرائق والعلامات المعرِّفة بما ينبغي فعله وسلوكه وما لا ينبغي.

 

والحمد لله ربِّ العالمين

 


[1] – سورة الغاشية / 17.

 

 

مركز الهدى للدراسات الإسلامية

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *