Search
Close this search box.
logo_black

هل يعتبر التطابق بين الإيجاب والقبول؟

السيد أبو القاسم الخوئي

قوله: (ومن جملة شروط العقد التطابق بين الإيجاب والقبول)

أقول التطابق بين الإيجاب والقبول يتصور على أنحاء:

1– أن يكون ذلك من ناحية عنوان المعاملة:

بأن يقول أحد المتعاملين لصاحبه: بعتك دارى بكذا، ويقول صاحبه: قبلت البيع بكذا، فلو قال:

قبلت الهبة بكذا لبطل العقد، بديهة أن العقد أمر وحداني مركب من الإيجاب والقبول، فإذا إنشاء أحد المتعاملين البيع، وقبل الآخر الهبة، لم يرتبط كلام أحدهما بالآخر، فلا تتحقق بينهما معاقدة ومعاهدة، بل يكون عهد كل منهما بعيدا عن عهد الآخر، ضرورة أن ما أنشأه الموجب لم يقبله القابل، وما قبله القابل لم ينشئه الموجب.

ومن هنا قال شيخنا الأستاذ: إن اعتبار التطابق بين الإيجاب والقبول من القضايا التي قياساتها معها.

2– التطابق بين الإيجاب و القبول من ناحية المبيع:

بأن يقول أحد المتبايعين لصاحبه: بعتك عبدي بكذا، ويقول الآخر قبلت هكذا. ولو قال قبلت بيع الجارية بكذا لبطل العقد، لما عرفته قريبا من أنه مع الاختلاف- بين الإيجاب والقبول- لا يرتبط عهد أحدهما بعهد الآخر، لكي يتحقق هنا عقد مركب من الإيجاب والقبول.

3– التطابق بين الإيجاب و القبول من ناحية البائع و المشتري،

فلو قال زيد لعمرو: بعتك دارى بكذا، ويقول عمرو: قبلت البيع لخالد، أو يقول‌ خالد: قبلت البيع لنفسي بكذا لبطل العقد، لعدم ورود الإيجاب والقبول على مورد واحد، كما عرفته في القسمين السابقين.

وقد يتوهم: أن اعتبار التطابق بين الإيجاب والقبول في الصورة الثالثة ينافي لما أسلفناه في تعريف البيع، من أنه تبديل عين بعوض في جهة الإضافة ضرورة أن مقتضى هذا التعريف هو ألا يلاحظ البائع الخاص، ولا أن يلاحظ المشتري المعين في تحقق مفهوم البيع، بل مقتضى التعريف المزبور ألا يلاحظ في ذلك كون البائع مالكا للمبيع، وكون المشتري مالكا للثمن ومن هنا نحكم بصحة المعاملة الفضولية.

ولا يقاس البيع- في ذلك- بالنكاح، إذ لا بد في النكاح من التطابق بين الإيجاب والقبول بالنسبة إلى الزوجين، فان منزلتهما- في عقد الزواج- منزلة العوضين- في البيع- وقد عرفت اعتبار التطابق فيه بين الإيجاب والقبول من ناحية العوضين.

ولكن هذا التوهم فاسد، ضرورة أن التعريف المذكور إنما يقتضي عدم اعتبار التطابق بين الإيجاب والقبول بالنسبة إلى البائع الخاص والمشتري الخاص فيما إذا كان العوضان من الأعيان الخارجية.

أما إذا كان أحدهما كليا في الذمة، فإنه عندئذ لا بد من اعتبار التطابق بين الإيجاب والقبول من ناحية البائع والمشتري، ضرورة أن ذمم الأشخاص مختلفة بحسب قوة الوثاقة وضعفها، إذ رب شخص لا يعتمد عليه في الأمور الحقيرة، ورب شخص تطمئن إليه النفس في الأمور الخطيرة.

وعليه فإذا باع زيد متاعه من عمر بخمسين دينارا في الذمة، فإنه ليس لعمرو أن يقبل هذا البيع لغيره، ولا لغيره أن يقبله لنفسه، ضرورة أن ذمة عمرو غير ذمم بقية الأشخاص، فالارتضاء بالأولى لا يستلزم الارتضاء‌ ببقية الذمم، وإذن فالإخلال بالتطابق في الصورة الثالثة أيضا موجب للبطلان ففي الحقيقة يرجع اعتبار التطابق في هذه الصورة إلى اعتبار التطابق في الصورة الثانية.

4– التطابق بين الإيجاب و القبول من ناحية الشروط المذكورة في العقد

فإذا خالف الإيجاب القبول في ذلك قيل بصحة العقد حينئذ، وثبوت الخيار للمشروط له، نظرا إلى أن الشرط لا يرتبط بالعقد، وإنما هو التزام في التزام آخر.

الا أن الصحيح بطلان العقد مع عدم التطابق في هذه الصورة أيضا.

والوجه في ذلك: ما نذكره في مبحث الشروط من أن مرجع اعتبار الشرط في العقد إما إلى تعليق العقد على التزام المشروط عليه بشيء، أو إلى تعليق لزومه على شي‌ء، أو تعليقهما معا أما الأول فكاشتراط شرط في عقد الزواج أما الثاني فكاشتراط الكتابة في العبد المبيع، أما الثالث فكاشتراط عمل في البيع ونحوه.

ونذكر في المبحث المذكور: أن تعليق اللزوم يرجع الى جعل الخيار، وجعل الخيار إنما يرجع إلى تحديد المنشأ، وفي جميع ذلك يكون عدم التطابق موجبا للبطلان.

5– التطابق بين الإيجاب و القبول في أجزاء المبيع و الثمن،

وعليه فلو قال البائع: بعتك دارى بخمسين دينارا، وقال المشتري: قبلت البيع في نصف المبيع بخمسة وعشرين دينارا فقد حكم شيخنا الأستاذ ببطلان البيع في هذه الصورة أيضا.

وإليك نص مقرر بحثه: (ومما ذكرنا ظهر أنه لا بد من اتحاد المنشأ حتى بالنسبة إلى التوابع والشروط، فلو أنشأ أحدهما مع شرط. وقبل الآخر بلا‌ شرط، أو باع البائع عبدين، وقبل المشتري أحدهما وغير ذلك مما هو نظير ما ذكرناه لم يصح أيضا، لعدم ارتباط كلام أحدهما بالآخر).

أقول: إن مرجع بيع الدار بخمسين دينارا إلى بيع كل نصف منها بخمسة وعشرين دينارا، مع اشتراط كل منهما بوجود الآخر، فإذا قبل المشتري أحدهما دون الآخر رجع ذلك إلى عدم المطابقة من جهة الشرط، وقد مر حكمه‌

 

 

 

مصباح الفقاهة، السيد أبو القاسم الخوئي، ج٣، ص٧١