كيفية وجود التكليف ودوامه
السيد محمد حسين الطباطبائي
كل نوع من أنواع الموجودات له غاية كمالية هو متوجه إليها ساع نحوها طالب لها بحركة وجودية تناسب وجوده لا يسكن عنها دون ان ينالها الا ان يمنعه عن ذلك مانع مزاحم فيبطل دون الوصول إلى غايته كالشجرة تقف عن الرشد والنمو قبل ان تبلغ غايتها لآفات تعرضها وتقدم أيضا ان الحرمان من بلوغ الغايات انما هو في افراد خاصة من الأنواع واما النوع بنوعيته فلا يتصور فيه ذلك.
وان الانسان وهو نوع وجودي له غاية وجودية لا ينالها الا بالاجتماع المدني كما يشهد به تجهيز وجوده بما لا يستغنى به عن سائر أمثاله كالذكورة والأنوثة والعواطف والاحساسات وكثرة الحوائج وتراكمها.
وان تحقق هذا الاجتماع وانعقاد المجتمع الانساني يحوج افراد المجتمع إلى احكام وقوانين ينتظم باحترامها والعمل بها شتات أمورهم ويرتفع بها اختلافاتهم الضرورية ويقف بها كل منهم في موقفه الذي ينبغي له ويحوز بها سعادته وكماله الوجودي هذه الأحكام والقوانين العملية في الحقيقة منبعثة عن الحوائج التي تهتف بها خصوصية وجود الانسان وخلقته الخاصة بما لها من التجهيزات البدنية والروحية كما أن خصوصية وجوده وخلقته مرتبطة بخصوصيات العلل والأسباب التي تكون وجود الانسان من الكون العام.
وهذا معنى كون الدين فطريا أي انه مجموع احكام وقوانين يرشد إليها وجود الانسان بحسب التكوين وان شئت فقل سنن يستدعيها الكون العام فلو أقيمت أصلحت المجتمع وبلغت بالافراد غايتها في الوجود وكمالها المطلوب ولو تركت وابطلت أفسدت العالم الانساني وزاحمت الكون العام في نظامه.
وان هذه الأحكام والقوانين سواء كانت معاملية اجتماعية تصلح بها حال المجتمع ويجمع بها شمله أو عبادية تبلغ بالانسان غاية كماله من المعرفة والصلاح في مجتمع صالح فإنها جميعا يجب ان يتلقاها الانسان من طريق نبوة الهية ووحى سماوي لا غير.
وبهذه الأصول الماضية يتبين ان التكليف الإلهي يلازم الانسان ما عاش في هذه النشأة الدنيوية سواء كان في نفسه ناقصا لم يكمل وجودا بعد أو كاملا علما وعملا اما لو كان ناقصا فظاهر واما لو كان كاملا فلان معنى كماله أن يحصل له في جانبي العلم والعمل ملكات فاضلة يصدر عنها من الأعمال المعاملية ما يلائم المجتمع ويصلحه ويتمكن من كمال المعرفة وصدور الأعمال العبادية الملائمة للمعرفة كما تقتضيه العناية الإلهية الهادية للانسان إلى سعادته.
ومن المعلوم ان تجويز ارتفاع التكليف عن الانسان الكامل ملازم لتجويز تخلفه عن الاحكام والقوانين وهو فيما يرجع إلى المعاملات يوجب فساد المجتمع والعناية الإلهية تأباه وفيما يرجع إلى العبادات يوجب تخلف الملكات عن آثارها فان الافعال مقدمات معدة لحصول الملكات ما لم تحصل وإذا حصلت عادت تلك الأفعال آثارا لها تصدر عنها صدورا لا تخلف فيه.
ومن هنا يظهر فساد ما ربما يتوهم ان الغرض من التكليف تكميل الانسان وايصاله غاية وجوده فإذا كمل لم يكن لبقاء التكليف معنى.
وجه الفساد إن تخلف الانسان عن التكليف الإلهي وان كان كاملا في المعاملات يفسد المجتمع وفيه ابطال العناية الإلهية بالنوع وفي العبادات يستلزم تخلف الملكات عن آثارها وهو غير جائز ولو جاز لكان فيه ابطال الملكة وفيه أيضا ابطال العناية نعم بين الانسان الكامل وغيره فرق في صدور الافعال وهو ان الكامل مصون عن المخالفة لمكان الملكة الراسخة بخلاف غير الكامل والله المستعان.