Search
Close this search box.
logo_black

في اعتبار تعيين المالك في صحة البيع

السيد أبو القاسم الخوئي

هل يعتبر في صحة البيع تعيين المالك، وهل يلزم ذلك على المتبايعين؟

تارة يقع الكلام في المعاملة بالأعيان الشخصية، وأخرى في المعاملة بالأمور الكلية: بأن يكون المبيع أو الثمن كليا.

أما الجهة الأولى [المعاملة بالأعيان الشخصية]

فلا شبهة في أن تعيين المالك ليس من مقومات البيع ولا من شرائطه؛ بداهة أن البيع اعتبار تبديل شي‌ء بشي‌ء في أفق النفس وإظهاره بمبرز خارجي من اللفظ وغيره. ولا ريب في أن هذا المعنى يتحقق بدخول العوض في ملك من خرج عن ملكه المعوض وبالعكس، بلا احتياج إلى تعيين مالك الثمن، أو تعيين مالك المثمن، ولم يقم دليل تعبدي على ذلك.

ولا يفرق فيما ذكرناه بين صدور العقد من نفس المالكين وبين صدوره من غيرهما- كالوكيل والولي والفضولي- وعلى هذا الضوء فالقصد الى العوض وتعيينه يغني عن القصد إلى المالك وتعيينه.

نعم يعتبر في مفهوم البيع قصد المتبايعين دخول العوض في ملك من خرج المعوض عن ملكه وبالعكس، وإلا فلا يصدق عليه البيع، ضرورة أنه ليس إلا تبديل شي‌ء بشي‌ء في جهة الإضافة، وعليه فلو اشترط على البائع دخول الثمن في ملك الأجنبي أو اشترط على المشتري دخول المبيع في ملك غيره كان ذلك موجبا لبطلان المعاملة؛ لكونه على خلاف مقتضى العقد.

نعم لوكان ذلك من قبيل الفوائد المترتبة على العقد لما كان الاشتراط أو القصد المزبورين من الأمور اللاغية.

ومثال ذلك أن يشترى أحد من الخباز خبزا ويشترط عليه أن يعطيه للفقير، أو يتصدى هو بنفسه الإعطاء له، فان الخبز يدخل في ملك المشتري بالشراء وان كان ينتقل بعد ذلك الى الفقير بهبة ونحوها.

ثم لا يخفى عليك: أن ما ذكرناه من عدم اعتبار تعيين من يقع له العقد في صحة البيع إنما يجرى في كل عقد لا يكون القصد إلى المالك ركنا من أركان العقد، وإلا يبطل العقد بعرائه عن ذلك، كالزوجين في عقد الزواج، فإنهما بمنزلة العوضين في البيع، ضرورة عدم حصول الغرض بصيرورة المرأة زوجا لرجل مبهم، وعدم صيرورة الرجل زوجا لامرأة مبهمة. وكذلك الموقوف عليه والموهوب له والموصى له والوكيل، فإنهم من الأركان في الوقف والهبة والوصية والوكالة، فلا ينعقد شي‌ء منها بدون القصد إلى هؤلاء ومن غير تعيينهم‌

 

أما الجهة الثانية [المعاملة بالأمور الكلية]

فالكلي بما هو كلي لا يمكن بيعه في مقام الثبوت إلا بإضافته إلى ذمة خاصة من الذمم، إذ البيع- كما عرفته عند البحث عن تعريف البيع- تبديل شي‌ء بشي‌ء في جهة الإضافة، ومن البين الذي لا ريب فيه أن الكلي بما هو كلي غير مضاف إلى أحد لكي يكون تبديله بشي‌ء من قبيل تبديل شي‌ء بشي‌ء في جهة الإضافة.

أضف إلى ذلك أن الكلي ما لم يضف إلى ذمة شخص لا يكون مالا، ولا ملكا، وإذن فلا تقع المبادلة بين المالين. ولا يقاس ذلك بطلاق زوج من الأزواج، أو بعتاق مملوك من المماليك؛ لصحة تعلق الطلاق والعتق بالجامع وهو عنوان إحدى الزوجات، أو أحد العبيد، وعليه فيستخرج الواقع بالقرعة، لأنها لكل أمر مشتبه. هذا كله في مقام الثبوت.

أما في مقام الإثبات فلا ريب في إضافة الكلي إلى البائع وانتساب البيع اليه بمجرد تكلمه بصيغة بعت؛ لانصراف الإطلاق إلى المنشئ انصرافا عقلائيا لأن فعل كل فاعل ينسب اليه، ويحكم بوقوعه عنه ما لم ينصب قرينة حالية أو مقالية على خلافه.

وقد اتضح لك مما تلوناه عليك وقوع الخلط بين مقامي الثبوت والإثبات في كلام شيخنا الأستاذ، وإليك نص مقرر بحثه: (وأما إذا كان أحدهما كليا فان كان الشخصي ملك شخصه وجب تعيين من يقع الكلي في ذمته، واما لو انعكس فلا يجب التعيين، وذلك لأنه لوكان الشخصي ملك غيره تعلق الكلي بذمة نفسه، لأن ذمة الغير يحتاج الى التعيين، والا انصرف الى النفس حتى فيما لوكان وكيلا عن الغير).

 

 

مصباح الفقاهة، السيد أبو القاسم الخوئي، ج٣، ص٢٧٦