سن البلوغ في المرأة
الشيخ محمد هادي آل راضي
تصدير
اثيرت في الآونة الأخيرة بعض البحوث المستحدثة أو أنّها محاولة لتجديد النظر في آراء ونظريات فقهية اعتبرت مسلّمة في الزمان السابق، وعلى هذا الأساس أعيد فتح ملف جملة من المباحث الفقهية، وكان واحداً منها بحث بلوغ المرأة والوقت الذي تصل فيه المرأة إلى مرحلة البلوغ، وقد نال هذا البحث نصيباً أوفى في كلماتهم.
ونحن بالرغم من إيماننا بضرورة تجديد النظر في كل ما وصل إلينا من آراء ونظريات، وضرورة إخضاعها للمقاييس العلمية التي يؤمن بها الباحث، إلّا أنّنا نذكّر بأمرين:
الأول: أنّ وصول الرأي الخاصّ في مسألة فقهية إلى حدّ الشهرة- فضلًا عن الإجماع- ليس أمراً اعتباطياً يمكن تجاوزه بسهولة، بل هو دائماً يعبّر عن حصيلة مجموعة من الآراء والاجتهاد والفهم الخاصّ لعلماء ومحقّقين بلغوا القمّة في تطبيق الموازين العلمية- الاستظهارية وغيرها- على المدارك الواصلة إليهم لأجل التوصّل إلى النتيجة، وهذا معناه أنّ نفس النصّ الواصل إلينا إن كان هو مدرك الرأي المشهور قد فهم منه معظم العلماء المحقّقين وذوي الاختصاص هذا الفهم الخاصّ، فإذا أضفنا إلى ذلك قرب هؤلاء العلماء أو بعضهم من عصر النصّ- وخصوصاً في القضايا الاستظهارية، فإنّ ذلك كلّه يدعم بشكل واضح ذلك الفهم الخاصّ، ويجعل تجاوزه وغضّ النظر عنه أمراً صعباً، فضلًا عن توهينه والاستخفاف به.
الثاني: أنّ الاعتناء بالشهرة ونحوها لا يعني بالضرورة تقليد المشهور في آرائهم وفتاويهم، بل ذلك أمر مرفوض، وقد صرّح علماؤنا الأعلام قدس سرهم بحرمة التقليد على من يملك ملكة الاستنباط وبوجوب العمل برأيه وفهمه الخاصّ، وإنّما يعني تأثير هذه المجموعة من الآراء في تكوين الرأي بالنسبة إلى المجتهد، فقد تكون مؤيّدة فيما إذا كان الرأي واحداً والفهم مشتركاً، وقد توجب المنع من السرعة في الوصول إلى النتيجة والتأمّل بل التردّد فيها أو مراجعة المسألة بمداركها من جديد، فيما إذا كان الفهم مختلفاً. ومن الواضح أنّ التأثير بهذا المقدار يعتبر نقطة إيجابية تساعد على تمحيص المسألة والتأمّل فيها أكثر، مضافاً إلى أنّه أمر متعارف جدّاً في جميع العلوم المشابهة لعلم الفقه.
اطّلعت أخيراً على بحث متعلّق بمسألة بلوغ المرأة نشر في مجلة الفكر الإسلامي العدد الثالث والرابع عام 1414 بعنوان (متى تصوم الجارية). وقد حوى البحث رأياً جديداً في هذه المسألة حيث ذهب إلى تحقّق البلوغ للبنت بالحيض بالنسبة إلى الصوم، وأنّ الصوم لا يجب عليها قبل ذلك وإن وصلت إلى سن الثانية عشر وأكثر. وبالرغم من أنّه رأي شاذّ وغريب إلّا أنّ ذلك لا يمنع من الالتزام به إذا ساعد عليه الدليل الواضح، ولذا لا بدّ من بحث المسألة بأدلّتها لنرى مدى صحّة هذا الرأي.
تمهيد
لا إشكال في أنّ هذه المسألة من المسائل المهمّة التي تدخل في ابتلاء معظم المسلمين بشكل أو بآخر، فالمرأة التي تمثّل نصف عدد المسلمين بالفرض تبتلى بهذه المسألة مباشرة، وكذلك الرجل الذي يهمّه هذا الأمر باعتبار أنّه تربطه بالمرأة علاقة الابوّة والبُنوّة والاخوّة والزوجية إلخ.
إذن المسألة عامّة البلوى، وهذا يستدعي بطبيعة الحال أن يكثر السؤال والاستفسار عن ذلك من الأئمّة عليهم السلام بعد الالتفات إلى أنّ تحديد سنّ البلوغ ليس واضحاً عند المسلمين، بمعنى أنّ المسلم – لولا إرشاد الشارع – يبقى متحيّراً في تحديد السنّ الذي تجب فيه التكاليف على المرأة. فلا بدّ إذن من افتراض وقوع أسئلة كثيرة عن ذلك، وهذه الأسئلة تتطلّب أجوبة بقدرها وتحديدات لسن البلوغ صادرة من الشارع، ولا بدّ – بمقتضى الحال – أن يصل إلينا شيء من هذه الأجوبة والتحديدات، وهذا بنفسه يعزّز الرأي المشهور في المسألة والقائل بأنّ بلوغ المرأة يكون بإكمال التّسع سنين؛ وذلك لورود الروايات الكثيرة الدالّة على هذا التحديد المنتشرة في مختلف أبواب الفقه- كما سيتّضح- وأمّا الآراء الاخرى فافتراض صحّتها ومطابقتها للواقع- مع عدم ورود نصّ معتبر أصلًا يدلّ عليها، أو ورود نصوص قليلة جدّاً- فهو بعيد جدّاً على ضوء ما تقدّم.
ثمّ إنّه لا إشكال في ذهاب المشهور بل الأكثر إلى تحديد سنّ البلوغ للمرأة بإكمال التسع، بل ادّعي الإجماع في كلمات كثير منهم مثل السرائر، قال في أوائل كتاب الصيام: «وهو الصحيح- أي تسع سنين- الظاهر في المذهب؛ لأنّه لا خلاف بينهم أنّ حدّ بلوغ المرأة تسع سنين»[1].
بل في الجواهر أنّه المشهور بين الأصحاب، بل هو الذي استقرّ عليه المذهب، ثمّ قال: «وعلى كل حال، فيمكن بعد رجوع المخالف دعوى تحصيل الإجماع، كما وقع من بعضهم»[2].
نعم، نسب الخلاف إلى الشيخ الطوسي قدس سره في المبسوط- كتاب الصوم[3]، وكذا إلى ابن حمزة في الوسيلة- كتاب الخمس[4] وأنّهما ذهبا إلى وجوب الصوم والخمس في سنّ العاشرة، إلّا إنّه نقل أيضاً رجوعهما عن ذلك في نفس الكتابين لكن في أبواب اخرى[5].
ثمّ إنّ الذي يظهر من كلمات الفقهاء وبعض الروايات أنّ كل الأحكام الشرعية التكليفية وكذا الحدود وجواز التصرّف في الأموال وغير ذلك- عدا ما استثني- مترتّبة على البلوغ وأنّ البلوغ له حدّ معيّن ومعنى واحد بالنسبة إلى جميع ذلك، فإذا تحقّق البلوغ بما له من المعنى الواحد جرى على البالغ جميع الأحكام السابقة واقيمت عليه الحدود، قال في الجواهر: «… فإنّ العلماء مع اختلافهم في حدّ البلوغ بالسنّ- أي بالنسبة إلى الذكر- مجمعون على أنّ البلوغ الرافع للحجر هو الذي يثبت به التكليف، وأنّ الذي يثبت به التكليف في العبادات هو الذي يثبت به التكليف في غيرها، وأنّه لا فرق بين الصلاة وغيرها من العبادات فيه، بل هو أمر ظاهر في الشريعة معلوم من طريقة فقهاء الفريقين وعمل المسلمين في الأعصار والأمصار من غير نكير، ولم يسمع منهم تقسيم الصبيان بحسب اختلاف مراتب السنّ بأن يكون بعضهم بالغاً في الصلاة مثلًا غير بالغ في الزكاة … إلى آخِر ما ذكره قدس سره»[6] وقد أشار إلى نكات المطلب بما لا مزيد عليه، جزاه اللّٰه خير الجزاء.
أدلّة المشهور:
وعلى كلّ حال، فالروايات التي يمكن الاستدلال بها على قول المشهور كثيرة جدّاً، ويمكن تقسيمها إلى طوائف:
الطائفة الاولى: ما دلّ على تحديد البلوغ بالتسع مباشرة،
وهي تتمثّل في رواية واحدة، وهي صحيحة ابن أبي عمير عن غير واحد عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «حدّ بلوغ المرأة تسع سنين»[7] والاستدلال بها واضح، وهي ظاهرة في أنّ حدّ البلوغ للمرأة هو إكمال التسع، فلاحظ. وسندها تامّ لما ثبت في محلّه من أنّ ابن أبي عمير لا يروي ولا يرسل إلّا عن ثقة، بل يمكن إثبات صحّة السند حتى مع إنكار هذا المبنى؛ وذلك لخصوصيّة في مثل هذه الرواية، وهي أنّ ابن أبي عمير يروي عن غير واحد، ويبعد جدّاً بحساب الاحتمال أن لا يكون فيهم ثقة، بعد الالتفات إلى أنّ التعبير ب (غير واحد) يراد به ما يزيد على الاثنين أي ثلاثة فصاعداً، وبعد الالتفات أيضاً إلى أنّ الرواة الذين يروي عنهم ابن أبي عمير أغلبهم ثقات نُصّ على توثيقهم، بل أنّ نسبة غير الثقات إلى الثقات نسبة ضئيلة جدّاً، فافتراض أنّ كلّ الثلاثة أو الأكثر من ذلك من الضعفاء افتراض بعيد جدّاً يحصل الاطمئنان على خلافه.
وقد أشار إلى ذلك المحقق الشيخ محمّد سبط الشهيد الثاني في شرحه على الاستبصار، وصرّح به صاحب منهج المقال الميرزا محمّد الأسترآبادي، كما اختاره واستدلّ عليه سيدنا الاستاذ الشهيد الصدر قدس سره[8].
الطائفة الثانية: ما دلّ على ترتّب بعض لوازم البلوغ على بلوغ المرأة تسع سنين.
وهي عدّة روايات:
1– رواية عبد اللّه بن سنان:
عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال: «إذا بلغ الغلام ثلاث عشرة سنة كُتبت له الحسنة وكُتبت عليه السيئة وعُوقب، وإذا بلغت الجارية تسع سنين فكذلك؛ وذلك أنّها تحيض لتسع سنين»[9]، والاستدلال بها باعتبار صراحتها في أنّ الجارية إذا بلغت تسع سنين تكتب لها الحسنة وعليها السيئة، وهذا ظاهر في أنّ هذا السنّ هوسنّ التكليف والبلوغ؛ لأنّ غير البالغ لا تكتب عليه السيئة- وإن كان قد تكتب له الحسنة- وذلك لرفع القلم عن الصغير حتى يبلغ.
وقد تُثار عدّة اعتراضات على الاستدلال بهذه الرواية:
الأول: اشتمالها على ما لا يقول به معظم الأصحاب من تحديد بلوغ الرجل بثلاث عشرة سنة.
الثاني: ظهورها في كفاية بلوغ التسع بالنسبة إلى الجارية الظاهر في كفاية دخولها وعدم اشتراط إكمالها، كما هو قول المشهور.
الثالث: ظهور التعليل المذكور في ذيلها بأنّ التسع إنّما كانت حدّاً للبلوغ باعتبار تحقّق الحيض فيها لا لخصوصية فيها، فالمدار على بلوغها السنّ الذي تحيض فيه، وهذا قد يتحقّق بالتّسع في ذلك الزمان وقد لا يتحقّق إلّا ببلوغ الثانية عشر مثلًا في بقية الأزمنة.
والجواب: أمّا عن الأوّل بأنّ اشتمال الرواية على ما لا يمكن الالتزام به لا يوجب سقوطها عن الحجّية بالنسبة إلى بقية المطالب المذكورة فيها؛ وذلك لما ثبت في محلّه من إمكان التبعيض في الحجّية بالنسبة إلى المداليل المتعدّدة للنصّ الواحد.
وأمّا عن الثاني فقد ذكر الشهيد الثاني قدس سره في المسالك (كتاب الحجر)، قال: «ويعتبر إكمال السنة الخامسة عشرة والتاسعة في الانثى … عملًا بالاستصحاب وفتوى الأصحاب؛ ولأنّ الداخل في السنة الأخيرة لا يسمّى ابن خمس عشرة سنة لغةً ولا عرفاً»[10].
وأنت خبير بأنّ المدّعى في المقام هو ظهور الموثقة في كفاية الدخول في التاسعة وعدم اشتراط إكمالها. ومن الواضح أنّ هذا المدّعى لا يمكن ردّه بما ذكره الشهيد قدس سره من الاستصحاب- لوجود الدليل المدّعى ظهوره في ذلك- ولا بفتوى الأصحاب؛ لأنّها لا تنافي الظهور المدّعى، مضافاً إلى التشكيك في وجود الفتوى باشتراط الإكمال كما أثاره المقدّس الأردبيلي قدس سره في مجمع البرهان[11]، ولا بما ذكره أخيراً- من أنّ الداخلة في التاسعة مثلًا لا تسمّى ابنة تسع سنين، وإنّما تسمّى بذلك بعد إكمالها- وذلك لأنّ محل الكلام هو الموثقة، ولم يرد فيها عنوان ابنة تسع سنين حتى يدّعى فيها ذلك، بل الوارد فيها عنوان (بلوغ التّسع) ويكفي فيه مجرّد الدخول فيها، فلاحظ.
والصحيح في دفع الإشكال: أنّ البلوغ في اللغة يراد به الانتهاء إلى أقصى المقصد والمنتهى مكاناً كان أو زماناً أو غيره، كما ورد في مفردات الراغب[12] وغيره، وفي الصحاح بلغت المكان بلوغاً وصلت إليه[13]، فقوله عليه السلام في الرواية «بلغت الجارية تسع سنين» يراد به إكمالها؛ لأنّها إذا كان لها من العمر ثمان سنين ونصف مثلًا لا تكون قد بلغت تسع بل ثمان سنين ونصف، نعم لو قيل بلغت السنة التاسعة مثلًا فلعلّها تكون ظاهرة في كفاية الدخول في سنّ التاسعة إذا كان المراد بالسنّة التاسعة الفترة الزمنية الممتدّة من حين الدخول في الثمان حتى إتمامها. ونظير ما نحن فيه قوله تعالى: «بَلَغَ أَشُدَّهُ»[14]، وقوله تعالى: «فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلٰا تَعْضُلُوهُنَّ»[15]، فإنّ المراد في الآية انقضاء العدّة بلا إشكال.
وأمّا عن الثالث فباعتبار وضوح أنّ المقصود بالتعليل «وذلك أنّها تحيض لتسع سنين» ليس هو الحيض الفعلي؛ لعدم صدق التعليل في معظم الموارد، لأنّ حصول الحيض عند المرأة في سن التاسعة نادر جدّاً، فلا يصحّ تعليل كتابة السيئات على المرأة إذا بلغت تسع سنين بأنّها تحيض فعلًا مع أنّها ليست كذلك في معظم الحالات، فلا بدّ أن يراد بالتعليل معنىً يصدق على المرأة وهي في سنّ التاسعة دائماً أو غالباً، وليس هو إلّا إمكان الحيض أي الوصول إلى حدّ من النضوج الجنسي يكون حصول الحيض لها أمراً ممكناً، وهذا متحقّق في المرأة إذا بلغت التاسعة. هذا مضافاً إلى أنّ المدار لوكان على الحيض دون السن لكان المناسب التعبير عن ذلك بعبارة اخرى: مثل «والجارية إذا حاضت فكذلك» أو نحوه أو يقول «وإذا بلغت الجارية تسع سنين فكذلك إذا حاضت» فإنّه التعبير المناسب لذلك، وأمّا التعبير المذكور في الرواية فهو ليس تعبيراً عرفياً عن ذلك، بل يفهم منه دخالة السنّ المذكور في البلوغ كما بيّناه.
وعليه، فالاستدلال على القول المشهور بالموثقة تامّ حتى بلحاظ الاعتراض الثاني، مع أنّ تمامية الاعتراض الثاني لا تضرّنا في قِبال من يدّعي أنّ المدار على الحيض، فلاحظ.
وأمّا سند الرواية فالظاهر اعتباره بكلا طريقيها أي طريق الشيخ في التهذيب وطريق الكليني[16]، وإن كان فيهما آدم بيّاع اللؤلؤ؛ لأنّ الظاهر أنّه آدم بن المتوكّل الثقة، فلاحظ.
2– مرسلة الصدوق:
قال: وقال أبوعبد اللّٰه عليه السلام «إذا بلغت الجارية تسع سنين دفع إليها مالها، وجاز أمرها في مالها واقيمت الحدود التامة لها وعليها»[17].
والاستدلال بها واضح باعتبار ما تقدّم في المقدّمة من أنّ البلوغ له معنىً واحد بالنسبة إلى كلّ الآثار المترتّبة عليه، وأنّه لا يختلف باختلافها، فإذا ثبت ترتّب بعض هذه الآثار على بلوغ الجارية سنّ التاسعة- كما في هذه المرسلة- كفى ذلك في ترتيب بقيّة الآثار.
نعم، الرواية تواجه نفس الاعتراض الثاني المتقدّم في الموثقة السابقة، وهو ظهورها في كفاية الدخول في التاسعة وعدم اشتراط إكمالها، وقد تقدّم جوابه.
وأمّا من حيث السند فالظاهر عدم تماميّتها؛ للإرسال. نعم، بناءً على ما ذهب إليه بعض الأعلام من اعتبار مراسيل الصدوق إذا أرسل بعنوان «قال الصادق عليه السلام أوقال أبوعبد اللّه عليه السلام» دون ما إذا كان بعنوان «روي عن الصادق عليه السلام مثلًا» يتمّ الاستدلال بالرواية.
3– رواية يزيد الكناسي:
عن أبي جعفر عليه السلام قال: «الجارية إذا بلغت تسع سنين ذهب عنها اليتم وزوّجت واقيمت عليها الحدود التامّة عليها ولها …»[18].
وحالها حال الرواية السابقة في الاستدلال وورود الاعتراض الثاني وجوابه. وأمّا من حيث السند فلا توجد فيها خدشة إلّا من جهة الراوي المباشر (يزيد الكناسي) حيث إنّه لم يوثق بهذا العنوان وإن كان المظنون قوباً أنّه القماط الثقة، راجع الملحق رقم [1].
4– رواية حمران:
– حسب ما في الكافي، أو رواية حمزة بن حمران- حسب ما في مستطرفات السرائر، حيث إنّه جعل الراوي المباشر عن الإمام عليه السلام هو حمزة بن حمران[19]، قال: «إنّ الجارية ليست مثل الغلام، إنّ الجارية إذا تزوّجت ودخل بها ولها تسع سنين ذهب عنها اليتم ودفع إليها مالها وجاز أمرها في الشراء والبيع واقيمت عليها الحدود التامّة وأخذ لها بها»[20].
وهي ساقطة سنداً على كلا الطريقين؛ لوجود عبد العزيز العبدي في كليهما، وقد نصّ على ضعفه النجاشي في ترجمته، نعم في بعض نسخ السرائر ذكر عبد العزيز القندي بدل العبدي، وهو مجهول ليس له ذكر في كتب الرجال. كما أنّ حمزة بن حمران الواقع في كلا الطريقين أيضاً ليس له توثيق خاصّ في كتب الرجال المعروفة. نعم روى عنه بعض المشايخ الثلاثة الذين لا يروون إلّا عن ثقة، فإذا قبلنا هذه الكبرى أمكن الاعتماد عليه وإلّا فلا.
وأمّا الدلالة فيدّعى ظهور الرواية في أنّ بلوغ الجارية- الذي أشارت إليه الرواية بلوازمه وآثاره مثل ذهاب اليتم … إلخ- يتحقّق بإكمالها التسع، وأمّا الزواج والدخول بها فهي امور تترتّب على البلوغ كذهاب اليتم ونحوه، كما اشير إلى ذلك في الرواية الثالثة المتقدّمة وغيرها، لا أنّ البلوغ يتحقّق بها كالسن، وسيأتي مزيد تحقيق في دلالة هذه الرواية.
5– رواية سليمان بن حفص المروزي:
عن الرجل عليه السلام قال: «إذا تمّ للغلام ثمان سنين فجائز أمره وقد وجبت عليه الفرائض والحدود، وإذا تمّ للجارية تسع سنين فكذلك»[21]، وهي دالّة على أنّ المرأة إذا أكملت تسع سنين جاز أمرها واقيمت عليها الحدود ووجبت عليها الفرائض، وهي لوازم واضحة للبلوغ الشرعي، فيتحقّق بإكمال التّسع.
نعم، الرواية تدلّ على تحديد بلوغ الرجل بإكمال ثمان سنين، وهذا ممّا لم يلتزم به أحد؛ ولذا حملها الشيخ الطوسي على الصبي الذي يتكرّر منه الفعل حيث يمكن إقامة الحدود عليه، ولا يخفى أنّ هذا وحده لا يدفع الإشكال عن الرواية؛ لأنّها تصرّح بجواز أمره ونفوذه الذي يعني صحّة تصرفاته، وهذا أيضاً لم يلتزم به أحد على الظاهر.
والصحيح في دفع الإشكال هو الالتزام بالتبعّض في الحجّية كما تقدّم الإشارة إليه، فالفقرة المتعلّقة بالمرأة حجّة وإن سقطت الفقرة المتعلّقة بالرجل عن الحجّية لسبب أو لآخر.
نعم، هي ضعيفة السند بسليمان بن حفص المروزي الذي لم يوثق في كتاب الرجال.
الطائفة الثالثة: ما دلّ على جواز الدخول بالمرأة إذا أكملت تسع سنين وعدم جواز الدخول بها قبل ذلك،
وهي عدّة روايات:
1– صحيحة الحلبي:
عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال «إذا تزوّج الرجل الجارية وهي صغيرة فلا يدخل بها حتى يأتي لها تسع سنين»[22]، ويمكن الاستدلال بها من جهتين:
أوّلًا: ظهور الرواية في خروج المرأة عن حالة الصبا والصغر إذا أكملت تسع سنين، وهذا يستفاد من قوله عليه السلام «وهي صغيرة» وقوله: «حتى يأتي لها تسع سنين» فإنّ المستفاد منه أنّ المرأة بإكمال التّسع تكون كبيرة وبالغة، بخلافه قبلها فإنّها صغيرة.
ثانياً: ظهورها في جواز الدخول بعد إكمالها التّسع وعدم الجواز قبل ذلك المستفاد من قوله عليه السلام «فلا يدخل بها حتى يأتي …» مع وضوح أنّ الدخول بالمرأة لا يكون إلّا بعد بلوغها أي نضوجها جنسياً بحيث تصبح قابلة لذلك، وهذا هو معنى البلوغ، فالمستفاد من هذه الفقرة تحقّق بلوغ المرأة ونضوجها الجنسي بحيث تكون قابلة للدخول بها وما يترتّب على ذلك من الحمل وغيره بإكمالها التّسع.
قال المقدّس الأردبيلي في مجمع الفائدة: «وأمّا السنّ فالأخبار عليه كثيرة في النكاح حيث جوز الدخول بعد التسع دون قبله، وهو مشعر بالبلوغ بعده، لثبوت تحريم الدخول قبله عندهم- كأنّه- بالإجماع»[23].
ثمّ إنّه لا يحتمل التفريق بين الدخول بها وبين التكاليف بالالتزام بثبوت الأوّل بإكمالها التّسع وعدم ثبوت الثاني؛ وذلك لأنّ الدخول وما يترتّب عليه من الحمل والولادة إذا كان ثابتاً بإكمالها التسع كان معنى ذلك تحقّق البلوغ ووصولها إلى سنّ التكليف. نعم قد يحتمل العكس بأن تثبت عليها التكاليف في سنّ معيّنة مع عدم جواز الدخول بها فيه وإن كان على خلاف الإجماع المتقدّم إليه الإشارة في المقدّمة.
2– صحيحة زرارة:
عن أبي جعفر عليه السلام قال: «لا يدخل بالجارية حتى يأتي لها تسع سنين أو عشر سنين»[24].
وهي مثل الرواية السابقة في كيفية الاستدلال. نعم الترديد فيها بين التسع والعشر لا بدّ من توجيهه- بعد عدم معقوليّة الترديد في الحدّ الشرعي من قِبل الإمام عليه السلام، أمّا بحمل الحدّ الثاني فيها على الأفضلية والرجحان أي أفضلية عدم الدخول بالجارية في التسع، أو بحملها على اختلاف النساء في التضرّر بالجماع قبل العشر وعدمه، كما أشار إليه المجلسي في مرآة العقول[25].
نعم، افتراض الترديد من نفس الراوي يمنع من الاستدلال بالرواية على قول المشهور؛ لاحتمال أنّ ما قاله الإمام عليه السلام هوالعشر لا التسع إلّا أنّه افتراض لا قرينة عليه، بل يبطله تصريح زرارة نفسه بأنّه سمع هذا الترديد من الإمام عليه السلام كما رواه الصدوق رحمه الله في الخصال بسند صحيح[26].
ثمّ إنّ سند الرواية تامّ؛ إذ لا خدشة فيه إلّا من جهة موسى بن بكر حيث لم يوثق صريحاً إلّا أنّ الظاهر وثاقته؛ لرواية بعض المشايخ الثلاثة عنه كصفوان كما في نفس الرواية وغيره، بل شهادة صفوان بأنّ كتاب موسى بن بكر ممّا لا يختلف فيه أصحابنا، كما نقله الكليني عنه بسند صحيح في الكافي[27].
3– رواية أبي بصير:
«إذا تزوّج الرجل الجارية وهي صغيرة فلا يدخل بها حتى يأتي لها تسع سنين»[28].
وهي تشبه الرواية السابقة تماماً إلّا أنّها ضعيفة السند بسهل بن زياد.
4– رواية السجستاني:
قال سمعت أبا عبد اللّٰه عليه السلام يقول لمولى له: «انطلق فقُل للقاضي قال رسول اللّٰه صلى الله عليه وآله وسلم: حدّ المرأة أن يدخل بها على زوجها ابنة تسع سنين»[29] وهي تشبه الروايات السابقة مضموناً إلّا أنّها ضعيفة السند أيضاً.
الطائفة الرابعة: ما دلّ على أنّ المرأة المطلّقة لا عدّة عليها إذا كانت دون التسع؛
لأنّها لا تحيض في ذلك السنّ، وهي عبارة عن عدّة روايات:
1– رواية عبد الرحمن بن الحجّاج:
«التي لم تحض ومثلها لا تحيض. قلت: ومتى تكون كذلك؟ قال: ما لم تبلغ تسع سنين، فإنّها لا تحيض ومثلها لا تحيض …»[30].
وهي ظاهرة في أنّ المرأة قبل بلوغها تسع سنين ليست قابلة لأن تحيض، وأنّها متى ما بلغت التسع أمكن فيها ذلك؛ ولذا إذا طلّقت قبل التّسع لا تحتاج إلى عدّة، وأمّا إذا طلّقت بعد ذلك فحالها حال بقيّة النساء تحتاج إلى عدّة. وقد دلّت روايات كثيرة على أنّ الصبية التي لا تحيض مثلها لا عدّة عليها إلّا أنّ هذه الرواية تتميّز عنها في تحديد السنّ الذي يتحقّق فيه ذلك وهو التسع، وهذا يجعلها ظاهرة في أنّ بلوغ المرأة التسع يحقّق حالة البلوغ والنضج الجنسي الخاصّ الذي يمكن معه أن تكون حاملًا إذا كانت مزوّجة، فتحتاج إلى عدّة، فلاحظ.
إلّا أنّ الرواية تواجه مشكلة سندية وحيدة، وهي أنّ طريق الشيخ الطوسي إلى علي بن الحسن بن فضّال الذي يبدأ به سند الرواية ضعيف بعلي بن محمّد بن الزبير الذي لم يوثق في كتب الرجال، فراجع الملحق رقم [2].
2– رواية ثانية لعبد الرحمن بن الحجاج[31]:
وهي تشبه الرواية السابقة في المضمون والاستدلال وضعف السند إلّا أنّ ضعف سند هذه باعتبار سهل بن زياد.
3– رواية ابن بزيع:
عن الرضا عليه السلام في حدّ الجارية الصغيرة السن الذي إذا لم تبلغه لم يكن على الرجل استبراؤها قال: «إذا لم تبلغ استبرأت بشهر. قلت: وإن كانت ابنة سبع سنين أونحوها ممّا لا تحمل؟ فقال: هي صغيرة ولا يضرّك أن لا تستبرئها، فقلت: ما بينها وبين تسع سنين؟ فقال: نعم، تسع سنين»[32] وفيها دلالة على أنّ الجارية إذا كانت ابنة تسع سنين خرجت من الصغر وصارت كبيرة ويلزم استبراؤها.
إلّا أنّها ضعيفة السند بجعفر بن نعيم بن شاذان حيث لم ينصّ على توثيقه، نعم هومن مشايخ الصدوق، وقد ترضّى عنه في العلل[33] فمن يبني على كفاية هذا المقدار لإثبات حسن الرجل على الأقل صحّت عنده الرواية؛ إذ لا عيب إلّا من جهته، وأمّا محمّد بن شاذان الذي يروي عنه جعفر بن نعيم فيمكن إثبات حسنه بالتوقيع الشريف الذي رواه الصدوق في كمال الدين وإتمام النعمة والشيخ الطوسي في الغيبة وغيرهما حيث ورد فيه «وأمّا محمّد بن شاذان بن نعيم فإنّه رجل من شيعتنا أهل البيت»[34]والظاهر صحّة سند التوقيع الشريف، كما حقّق في محلّه.
الطائفة الخامسة: ما دلّ على ضمان من دخل بالمرأة قبل تسع سنين فأصابها عيب:
وهي روايات كثيرة معظمها صحيح السند مثل:
1– صحيحة الحلبي؛
التي يرويها الشيخ[35].
2– صحيحته الاخرى التي يرويها الصدوق؛
3– صحيحة حمران؛
4– رواية طلحة بن زيد؛
5– رواية غياث بن إبراهيم.
وهي متّحدة المضمون تقريباً. والاستدلال بها يكون باعتبار ظهورها في أنّ المرأة قبل تسع سنين ليست محلّاً قابلًا للوطء، فإذا وطئت وحدث فيها عيب يثبت الضمان؛ لمكان التعدّي، بخلاف ما إذا كان لها تسع سنين فإنّها تكون قابلة لذلك، فإذا حدث فيها عيب فلا ضمان؛ لعدم التعدّي من قبل الواطئ، وهذا ظاهر في أنّ بلوغ المرأة ووصولها إلى حدّ النضوج الجنسي وكونها قابلة للوطء يكون ببلوغها تسع سنين.
نعم، هذه الروايات قد تختلف في أنّ المعتبر هل هو إكمال التسع أو يكفي بلوغ التسع، فصحيحة الحلبي برواية الشيخ ظاهرة في اعتبار الإكمال وأنّ المناط على أن يكون للمرأة تسع سنين، فالعيب بالوطء قبل ذلك موجب للضمان دونه بعد ذلك، وهذا هو ظاهر قوله عليه السلام في الرواية «من وطئ امرأته قبل تسع سنين فأصابها عيب فهو ضامن»[36].
كذا صحيحة حمران؛ لقوله عليه السلام فيها «إن كان دخل بها حين دخل ولها تسع سنين فلا شيء عليه»[37].
وظاهرها أنّ الضمان ينتفي إذا كان لها تسع سنين، ولا يكون لها تسع إلّا إذا أكملت التاسعة، كما لا يخفى.
نعم، صحيحة الحلبي- برواية الصدوق- ذكر فيها عنوان بلوغ تسع سنين «انّ من دخل بامرأة قبل أن تبلغ تسع سنين فأصابها عيب فهو ضامن»[38]، إلّا أنّه تقدّم سابقاً استظهار أنّ المراد ببلوغ التسع إكمالها، فراجع.
6– رواية بريد بن معاوية:
عن أبي جعفر عليه السلام في رجل افتضّ جارية- يعنى امرأته- فأفضاها، قال: «عليه الدية إن كان دخل بها قبل أن تبلغ تسع سنين …»[39] نعم هي ضعيفة السند بالحارث بن محمّد بن النعمان حيث لم ينصّ على وثاقته، فهو مجهول الحال.
7– رواية إسحاق بن عمّار:
عن جعفر عليه السلام «أنّ عليّاً عليه السلام كان يقول: من وطئ امرأة من قبل أن يتمّ لها تسع سنين فاعنف ضمن»[40].
و الظاهر أنّها موثقة؛ إذ لا خدشة فيها إلّا من جهة الحسن بن موسى المشترك بين جماعة إلّا أنّ الظاهر أنّه الخشّاب الممدوح بقرينة رواية الصفّار عنه حيث إنّه يعرف بذلك كما في رجال الشيخ الطوسي، وكذا روايته عن غياث بن كلوب، بل صرّح الشيخ بأنّه الخشّاب في رواية اخرى تشبه ما نحن فيه من حيث السند (راجع التهذيب ج 10 ص 234 ح 57). نعم، في التهذيب المطبوع (ط. النجف) ذكر الحسين بن موسى بدل الحسن إلّا أنّه اشتباه على الظاهر، كما يستفاد من أسانيد مشابهة ذكرها الشيخ الطوسي نفسه[41].
وهناك روايات اخرى متفرّقة تدلّ على قول المشهور لا بدّ من استعراضها:
1– مرسلة يعقوب بن يزيد:
عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا خطب الرجل المرأة فدخل بها قبل أن تبلغ تسع سنين فُرِّق بينهما ولم تحلّ له أبداً»[42] وهي ظاهرة في عدم جواز الدخول قبل التسع وأنّه ينشر الحرمة الأبدية، فإذا ضممنا إلى ذلك ما تقدّم من الاتّفاق على تحريم الدخول قبل البلوغ ثبت المطلوب. نعم، الرواية ضعيفة السند بالإرسال وبسهل بن زياد.
2– رواية محمّد بن هاشم:
عن أبي الحسن الأوّل عليه السلام قال: «إذا تزوّجت البكر بنت تسع سنين فليست مخدوعة»[43] وفيها ظهور في أنّ المرأة تملك أمرها وتُقبل تصرّفاتها إذا كانت بنت تسع سنين بخلاف ما إذا لم تكن كذلك.
نعم، الرواية ضعيفة السند بمحمّد بن هاشم ونصر والحسن بن يوسف حيث لم تثبت وثاقتهم.
3– رواية يزيد الكناسي:
و هي طويلة مروية في التهذيب قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: «متى يجوز للأب أن يزوّج ابنته ولا يستأمرها؟ قال: إذا جازت تسع سنين، فإن زوّجها قبل بلوغ التسع سنين كان الخيار لها إذا بلغت تسع سنين … الرواية»[44]، والاستدلال بها يكون باعتبار ظهورها في أنّ إكمال التسع هو الفاصل بين كون البنت صغيرة وكونها كبيرة، وأنّ رضاها وسخطها لا يكون له أي اعتبار حتى تستكمل تسع سنين، بل صرّحت في موضعين بترتّب آثار البلوغ على إكمالها التسع وإن لم تبلغ مبلغ النساء، أي وإن لم تحض، لاحظ قوله عليه السلام: «وإذا بلغت تسع سنين جاز لها القول في نفسها بالرضا والتأبّي وجاز عليها بعد ذلك وإن لم تكن أدركت مدرك النساء» وكذا قول السائل «قلت أفتقام عليها الحدود وتؤخذ بها وهي في تلك الحال وإنّما لها تسع سنين ولم تدرك مدرك النساء في الحيض؟ قال: نعم إذا دخلت على زوجها ولها تسع سنين ذهب عنها اليتم ودفع إليها مالها واقيمت عليها الحدود التامّة عليها ولها» ثمّ إنّ قوله عليه السلام: «إذا دخلت على زوجها» ليس قيداً في ذهاب اليتم ووصولها إلى حدّ البلوغ، بل هو من لوازم إكمالها تسع سنين على ما تقدّم، والمراد به تزويجها، وإنّما ذكر في جواب الإمام عليه السلام؛ لأنّه المفروض في سؤال السائل حيث قال: «فإن زوّجها أبوها ولم تبلغ تسع سنين».
وأمّا سند الرواية فليس فيه أي خدشة إلّا من جهة يزيد الكُناسي، وإن كان المظنون قوياً إنّه القمّاط الثقة، كما ذهب إلى ذلك كثير من الأعلام على ما سيأتي في الملحق الأول.
4– مرسلة ابن أبي عمير:
عن رجل عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «قلت: الجارية ابنة كم لا تُستصبى؟ ابنة ستّ أو سبع؟ فقال: لا ابنة تسع لا تستصبى وأجمعوا كلّهم على أنّ ابنة تسع لا تستصبى إلّا أن يكون في عقلها ضعف وإلّا فهي إذا بلغت تسعاً فقد بلغت»[45]. وهي صريحة في المطلوب، لدلالتها على أنّ المرأة إذا كانت ابنة تسع سنين لا تعدُّ صبية بل بالغة، بل فيها تصريح بأنّ ذلك أمر متّفق عليه ولا خلاف فيه.
وأمّا السند فهو تامّ لما ثبت في محلّه من أنّ ابن أبي عمير لا يرسل ولا يروي إلّا عن ثقة.
5– رواية محمّد بن مسلم:
قال: سألته عن الجارية يتمتع منها الرجل؟ «قال: نعم إلّا أن تكون صبية تخدع، قال: قلت: أصلحك اللّٰه وكم الحدّ الذي إذا بلغته لم تخدع؟ قال: بنت عشر سنين»[46].
وهي أيضاً صريحة في أنّ المرأة إذا كانت بنت عشر سنين لا تعدُّ صبية وتكون مالكة لأمرها، فلا تعتبر مخدوعة إذا تمتّع بها الرجل. نعم، المذكور فيها عشر سنين، ولعلّ المراد بها الدخول في العاشرة كما نبّه عليه في الوسائل وغيرها، فتتّحد مع الروايات السابقة.
وأمّا السند فالرواية مرويّة بطريقين:
الأوّل: للصدوق رواها بسنده عن محمّد بن يحيى الخثعمي عن محمّد بن مسلم، وكلّ منهما ثقة إلّا أنّ طريق الصدوق إلى الخثعمي فيه زكريا المؤمن، ولم ينصّ على توثيقه. نعم، روى عنه محمّد بن عيسى بن عبيد كثيراً وموسى بن القاسم وغيرهما، وعدّه ابن النديم في الفهرست من فقهاء الشيعة[47].
الثاني: للشيخ الطوسي بسنده عن محمّد بن أحمد بن يحيى عن محمّد بن عبد الجبّار عن صفوان بن يحيى عن إبراهيم بن محمّد الأشعري عن إبراهيم بن محرز الخثعمي عن محمّد بن مسلم، والسند تامّ إلّا من جهة إبراهيم الخثعمي فإنّه لم يوثّق.
6– رواية عليّ بن الفضل
أنّه كتب إلى أبي الحسن عليه السلام ما حدّ البلوغ؟ «قال: ما أوجب على المؤمنين الحدود»[48] وهي تدلّ على المقصود بضميمة ما تقدّم من أنّ المرأة إذا كان لها تسع اقيمت عليها الحدود.
إلّا أنّ الرواية ضعيفة السند بعليّ بن الفضل (الواسطي) حيث لم يرد فيه توثيق. وإن وصفه الصدوق بأنّه صاحب الرضا عليه السلام.
تلخيص:
ثمّ إنّه قد تبيّن ممّا تقدّم أنّ الروايات الدالّة على القول المشهور كثيرة جدّاً، فإنّ ما عثرنا عليه يتجاوز الستّة والعشرين رواية، ولعلّ المتتبّع يعثر على أزيد من ذلك كما هو المتوقّع، والصحيح سنداً من هذه الروايات يبلغ عشرة، وهناك روايتان المظنون قوياً أنّهما صحيحتان، وهما روايتا الكُناسي.
هذا كلّه حسب المباني الرجالية التي نؤمن بها، وإلّا فقد يصل عدد الروايات الصحيحة إلى أزيد من ذلك، كما يظهر من خلال المناقشات السندية المتقدّمة.
ويظهر من ذلك أنّ القول بتحقّق البلوغ بالتسع ليس قولًا مشهوراً بين الفقهاء فحسب، بل هو مشهور على مستوى الروايات والأحاديث الشريفة الواصلة إلينا عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام.
الروايات المعارضة:
وأمّا الروايات التي يدّعى أنّها معارضة لما تقدّم فهي عدّة روايات:
1– رواية الحسن بن راشد:
عن العسكري عليه السلام قال: «إذا بلغ الغلام ثماني سنين فجائز أمره في ماله وقد وجب عليه الفرائض والحدود، وإذا تمّ للجارية سبع سنين فكذلك»[49].
وهذه الرواية ضعيفة السند من جهتين:
الاولى: أنّ طريق الشيخ الطوسي إلى عليّ بن الحسن بن فضّال- المصدّر به السند- ضعيف بعليّ بن محمّد بن الزبير[50].
الثانية: جهالة حال العبدي الواقع في السند.
وعليه، فلا تصلح للمعارضة، مضافاً إلى إعراض الأصحاب عنها حيث لم يعمل بمضمونها أحد على الظاهر، هذا مع أنّها لا تنفع القائل بأنّ البلوغ يتحقّق بالحيض، فلاحظ.
2– رواية أبي بصير:
عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال: «على الصبي إذا احتلم الصيام، وعلى الجارية إذا حاضت الصيام والخمار …»[51] حيث يدّعى أنّها تدلّ على أنّ الصوم إنّما يجب على المرأة إذا حاضت، وأمّا قبله فلا يجب، وحينئذٍ يمكن تعميم الحكم بالنسبة إلى بقية التكاليف؛ لما تقدّم من الإجماع على عدم الفرق بين التكاليف بلحاظ سنّ البلوغ.
ويرد على ذلك:
أوّلًا: أنّ الرواية ضعيفة السند بعلي بن أبي حمزة البطائني المنصوص على ضعفه، كما أنّ هناك كلاماً في القاسم بن محمّد.
وثانياً: أنّ دلالة الفقرة أساساً على عدم الوجوب قبل الاحتلام ليس واضحاً؛ لأنّ غاية ما يستفاد منها دخالة الاحتلام في وجوب الصيام وترتّب الحكم عليه، وهذا مسلّم من الجميع، وأمّا انتفاء هذا الحكم عند عدم الاحتلام فلا دلالة للرواية عليه. نعم، تدلّ على السلب الجزئي فراراً من محذور لغوية القيد، فيكون مدلولها انتفاء الحكم عند انتفاء الاحتلام في الجملة كما في حالة انتفاء بقية العلامات أيضاً وبنحو السالبة الجزئية، ومن الواضح أنّ هذا لا ينافي وجوب الصيام عليها ببلوغها التسع، كما لا يخفى.
3– موثقة عمّار:
عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن الغلام متى تجب عليه الصلاة؟ قال: «إذا أتى عليه ثلاث عشرة سنة، فإن احتلم قبل ذلك فقد وجبت عليه الصلاة وجرى عليه القلم، والجارية مثل ذلك إن أتى لها ثلاث عشرة سنة أو حاضت قبل ذلك فقد وجبت عليها الصلاة وجرى عليها القلم»[52].
و هذه هي الرواية الوحيدة الصحيحة سنداً من الروايات المعارضة، ومع ذلك فلا يمكن الاعتماد عليها؛ لسقوطها عن الحجّية لأمرين:
الأوّل: إعراض المشهور عنها، وهذا واضح بعد الالتفات إلى وجود هذه الرواية في كتب الأصحاب والتفات المشهور إليها، وعدم عملهم بمضمونها.
الثاني: حصول الاطمئنان بعدم مطابقة هذه الرواية للحكم الواقعي؛ وذلك لأنّ ما دلّ على تحقّق البلوغ بالتسع كثير جدّاً يصل إلى حدّ الاستفاضة، بل إلى ما هو أزيد من ذلك، وهذا يوجب حصول الاطمئنان العادي بصدق واحد منها على الأقلّ، وبذلك تسقط الموثقة عن الحجّية؛ إذ يحصل الاطمئنان حينئذٍ بعدم صحّتها.
ثمّ لو فرض تحقّق التعارض فالترجيح للأخبار المتقدّمة؛ باعتبار أنّها مشهورة ومعارضها شاذّ نادر، كما عرفت.
4– مرسلة الصدوق:
«وفي خبر آخر: على الصبي إذا احتلم الصيام، وعلى المرأة إذا حاضت الصيام». وهي ساقطة سنداً؛ للإرسال حتى عند من يؤمن بأنّ مراسيل الصدوق إذا كانت بعنوان «قال الصادق عليه السلام» مثلًا حجّة؛ لأنّ مرسلتنا ليست من هذا القبيل، فلاحظ.
نهاية المطاف:
لقد اتّضح للمُطالع بشكل واضح رجحان القول المشهور بأنّ بلوغ المرأة بالتسع، ولم تقو الأدلّة المعارضة على مقاومة أدلّة المشهور.
ولكن قد يدّعى أنّ ذلك وإن صحّ على صعيد الاستدلال لكن على مستوى الواقع يصعب الالتزام به؛ لكون البنت في سنّ التاسعة لا تقوى على أداء التكاليف كالصوم الذي يعتبر حرجياً عليها عادة.
والجواب- وإن كان ذلك خروج عن دائرة البحث العلمي- أنّ هذه الدعوى عهدتها على مدّعيها، بل إنّ المشاهد خارجاً على العكس تماماً، ولو فرض في بعض الحالات حصول الحرج فلا ريب في شمول قاعدة «لا حرج» له، كسائر الأحكام الشرعية التي ترتفع بالحرج والضرر ونحوهما.
ملاحظات حول المقال المنشور:
1– قد عرفت من خلال البحث أنّ كل الأدلّة المرتبطة بالمسألة تدلّ على القول المشهور،
وأنّه لا دليل أصلًا على الرأي الذي ذهب إليه صاحب المقال في خصوص الصوم؛ لأنّ دليله منحصر في رواية أبي بصير ومرسلة الصدوق، وقد عرفت بما لا مزيد عليه ضعف كلّ منهما سنداً، فراجع.
ومنه يظهر أنّ قوله في المقال المنشور «هذا ما صحّ لدينا من الأحاديث المأثورة عن آل البيت عليه السلام» غريب جدّاً، والأغرب منه قوله بعد ذلك «و لم يأت عنهم ما يدلّ على وجوب الصوم على الجارية بمجرّد إكمالها التسع سنين» فإنّ العكس تماماً هو الصحيح.
2– قد عرفت أنّ رواية أبي بصير ضعيفة السند بالبطائني
وأنّ هناك كلاماً في القاسم ابن محمّد، ومع ذلك قال صاحب المقال «روى شيخ الطائفة أبو جعفر الطوسي في جامعه الحديثي الكبير- التهذيب- وكذا في الاستبصار بإسناده الصحيح عن أبي بصير …».
3– أنّ الرواية التي نقلها عن الصدوق في الفقيه ليست موجودة بعنوان (قال الصادق عليه السلام) كما ذكر،
بل بعنوان «وفي خبر آخر»، وطبعاً هناك فرق كبير بينهما، فالرواية بالعنوان الموجود في الفقيه مرسلة ساقطة سنداً عند الكلّ، بخلافها بالعنوان الذي ذكره حيث ذهب بعضهم إلى صحّتها سنداً، راجع.
4– أنّ ما ذكره عن الشيخ الصدوق؛ من أنّ ما يفتي به في المقنع مأخوذ من النصوص الواردة عن أئمّة أهل البيت:
وأنّ ما يرويه في الفقيه ممّا يعتمد عليه ويحكم بصحّته … إلى آخر ما ذكره، كأنّه يقصد به الإيحاء للقارئ بصحّة الروايات المذكورة في هذين الكتابين، مع أنّ عدم صحّة الاعتماد على رواية لمجرّد أنّها مدوّنة في هذين الكتابين أو غيرهما أصبح من الامور الواضحة جدّاً، مع أنّه لا وجه لتخصيص هذه الروايات بذلك، حيث أنّ الروايات الدالّة على القول المشهور أيضاً مدوّنة في الكتب المعروفة التي يعتمد عليها أصحابها.
5– أنّ رواية أبي بصير ذكر فيها الخمار مع الصيام
فكان عليه أن يلتزم بعدم وجوب القناع على المرأة حتى تحيض وإن بلغت الثالثة عشر أو أكثر، فهل يلتزم بذلك صاحب المقال؟!
6– قال في جملة كلامه «و لا حجّية في شهرة فتوائية غير مدعمة بنصّ صحيح صريح …»
يلاحظ عليه:
أوّلًا: أنّ الشهرة في المقام تدعمها النصوص المستفيضة التي عرفتها سابقاً وعرفت صحّة عدد كبير منها وصراحتها في تعيين سنّ البلوغ للمرأة بإكمال التسع.
وثانياً: أنّ الشهرة الفتوائية إذا لم تكن حجّة فلا يكفي في حجّيتها أن تكون مدعمة بنصّ صحيح، فإنّ الحجّة هو النصّ دونها.
7– يلاحظ أنّ المقال تناول هذا الموضوع المهمّ باختصار مخلّ حتى أنّ مجموع البحث لا يتجاوز الصفحتين مع ما فيه من الإيرادات
كما عرفت، ومع إهمال كثير من جوانب المسألة والأدلّة التي ترتبط بها بشكل أو بآخر. وواضح أنّ البحوث العلمية التخصّصية لا تكتب بهذه الطريقة.
و آخر دعوانا أن الحمد للّٰه ربّ العالمين.
الملحق رقم [1]
إنّ يزيد الكناسي لم يوثّق بها العنوان، نعم ذكر النجاشي (يزيد أبو خالد القمّاط) ونصّ على توثيقه، وقد ذهب بعض المحقّقين مثل السيّد بحر العلوم[53] إلى اتّحادهما وأنّ الكناسي هو نفس القمّاط الثقة، ومال إليه السيّد الخوئي[54] في المعجم. واستدل على الاتّحاد باتّحاد الاسم والكنية؛ لأنّ كلّاً منهما يُكنّى أبا خالد، وبأنّ الشيخ في رجاله ذكر (الكناسي) ولم يذكر (القمّاط)[55]والنجاشي عكس فذكر (القمّاط) دون (الكناسي)، فلو كانا متعدّدين لذكرهما كلّ من الشيخ والنجاشي أو أحدهما على الأقلّ، خصوصاً وإنّ (القمّاط) صاحب كتاب، كما ذكره النجاشي.
و يؤيّد ذلك أيضاً أنّ (الكناسي) نسبة إلى الكُناسة (بالضمّ) وهي محلّة من محلّات الكوفة، كما ذكره في معجم البلدان[56]، والقمّاط كوفي كما ذكر النجاشي، فكأنّه شخص واحد يسكن محلّة الكناسة من الكوفة فتارةً ينسب إلى محلّته واخرى إلى مدينته.
و يؤيّد الاتّحاد أيضاً اقتصار العلّامة في الخلاصة وابن داود في رجاله على ذكر القماط فقط في القسم الأوّل المخصوص بالثقات والمعتمدين، مع أنّه على التعدّد لا وجه لترك ذكر الكناسي مع أنّ رواياته ليست قليلة.
إلّا أنّه بالرغم من ذلك توجد قرائن معاكسة تدلّ على التعدد:
منها: اختلاف الطبقة حيث أنّ (الكُناسي) من أصحاب الإمام الباقر عليه السلام كما نصّ على ذلك الشيخ الطوسي في رجاله، وقد روى عنه عليه السلام روايات كثيرة- ذكرت في كتب الحديث- في حين أنّ (القمّاط) من أصحاب الصادق عليه السلام كما ذكره البرقي والنجاشي.
و منها: أنّ البرقي ذكر كلّاً من العنوانين في أصحاب الصادق عليه السلام، وكذا الشيخ في رجاله، فإنّه ذكر الكناسي في أصحاب الصادق عليه السلام في باب الياء (يزيد أبو خالد الكناسي) وفي باب الباء (بريد الكناسي) وذكر القمّاط في أصحابه في باب الكاف (كنكر) وفي باب الكنى (أبو خالد القمّاط).
و قد يجاب عن هذه القرائن بأنّ صيرورة الراوي الواحد من أصحاب أكثر من إمام واحد أمر شائع جدّاً، فيمكن افتراض الاتّحاد مع كونه من أصحاب الإمامين الباقر والصادق عليهما السلام، نعم يبقى أنّ النجاشي والبرقي- بل حتى الشيخ في رجاله في باب الكاف (كنكر) وفي باب الكنى- ذكروا القمّاط في أصحاب الصادق عليه السلام ولم يشيروا إلى أنّه من أصحاب الباقر عليه السلام، مع إنّه لو كان نفس الكناسي لكان المناسب الإشارة إلى ذلك؛ لأنّ الكناسي من أصحاب الباقر عليه السلام بلا إشكال كما عرفت.
و يمكن التغلّب على ذلك بأنّ الملاحظ- بعد مراجعة الروايات التي يرويها هذا الرجل- أنّه بعنوان القمّاط يروي عن الصادق عليه السلام فقط، وأمّا بعنوان الكناسي فهو يروي عنه وعن الإمام الباقر عليه السلام أيضاً، وهذا يمكن أن يفسّر لنا لما ذا اقتصر الرجاليون على عدِّ القماط من أصحاب الصادق عليه السلام فقط، فكأنّ من يترجم القمّاط يلاحظ الروايات التي يرويها بهذا العنوان، فإذا وجد أنّه يروي عن الصادق عليه السلام فقط ذكره من أصحابه، وهكذا الحال في الكناسي، وهذا لا ينافي الاتّحاد، فلاحظ.
و منه يظهر أنّ قرائن الاتّحاد أقوى من قرائن التعدّد إلّا أنّه مع ذلك لا يمكن الركون إليها؛ لأنّها لا تفيد الوثوق والاطمئنان وإن كانت مفيدة للظنّ.
قد يدّعى وثاقة الكناسي حتى مع فرض التعدّد استناداً إلى ما ذكره العلّامة في الإيضاح نقلًا عن السيّد محمّد بن معد الموسوي عن الدارقطني من محدّثي العامّة أنّ يزيد الكناسي شيخ من شيوخ الشيعة روى عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه عليه السلام[57]. ولا يخفى عدم صحّة الاعتماد على ذلك لإثبات التوثيق أو الحسن خصوصاً وإنّ الدارقطني ضبطه بالباء الموحّدة (بريد) لا بالياء (يزيد) كما في الرواية، وبريد الكناسي له روايات يرويها عن الإمام الباقر عليه السلام، كما أنّ له ذكر في كتب الرجال وإن كان احتمال الاتّحاد وارداً.
الملحق رقم [2]
لقد وقد حاول بعض المحقّقين إثبات وثاقة عليّ بن محمّد بن الزبير، وسنشير إلى محاولتين في هذا المجال:- الاولى: ما نقل عن المحقّق الداماد من الاستدلال على وثاقته بقول النجاشي في ترجمة أحمد بن عبد الواحد: «و كان قد لقي أبا الحسن علي بن محمّد القرشي المعروف بابن الزبير وكان علوّاً في الوقت»[58] بدعوى أنّ الضمير المستتر في (كان) يعود إلى القرشي وأنّ معنى العبارة إنّه كان في غاية الفضل والعلم والثقة والجلالة في وقته وأوانه.
إلّا أنّه توجد في العبارة احتمالات اخرى تجعلها غير ظاهرة فيما ذكر، مثل ما نسب إلى بعضهم[59] من أنّ كلمة (غلوّاً) بالغين المعجمة لا بالعين المهملة، بمعنى إنّه كان غالياً من الغلوّ، ومثل ما استظهره بعض المحقّقين[60] من عود الضمير في (كان) إلى المترجم له أي أحمد بن عبد الواحد لا إلى القرشي وأنّ كلمة (علوّاً) وإن كانت بالعين المهملة إلّا أنّ معنى العبارة هو كونه أعلى مشايخ الوقت سنداً؛ لتقدّم طبقته وإدراكه لابن الزبير الذي لم يدركه غيره من المشايخ، إلى غير ذلك من الاحتمالات الكثيرة المذكورة في محلّها. وعلى كل حال، فاستظهار التوثيق من هذه العبارة مشكل جدّاً، خصوصاً إذا لاحظنا أنّ النجاشي ذكر نفس هذه العبارة تقريباً في ترجمة (إسحاق بن الحسن بن بكران) مع طعنه فيه بأنّه ضعيف في مذهبه وأنّه لم يسمع منه، كما نبّه على ذلك صاحب القاموس في ترجمة عليّ بن محمّد بن الزبير، فراجع[61].
الثانية: تطبيق نظرية التعويض في المقام؛ وذلك بأن يقال إنّ طريق الشيخ إلى ابن فضّال وإن كان ضعيفاً إلّا أنّه يمكن التعويض عنه بالطريق الذي ذكره النجاشي إلى كتب ابن فضّال، وهو طريق صحيح، فإنّه مع فرض كون من يروي كلّ منهما عنه واحداً يحكم بصحّة ما يرويه الشيخ الطوسي عن ذلك الكتاب؛ إذ لا يحتمل أن يكون ما أخبر به استاذهما ومن يرويان عنه للنجاشي مغايراً لما أخبر به للشيخ، فإذا كان ما أخبر به واحداً وكان طريق النجاشي إليه صحيحاً حكم بصحّة ما رواه الشيخ عن ذلك الكتاب لا محالة، ويستكشف من تغاير الطريق أنّ الكتاب الواحد روي بطريقين ذكر الشيخ أحدهما وذكر النجاشي الآخر[62].
إلّا أنّ هذا الكلام على تقدير صحّته يتوقّف على أن يكون الطريق الذي نعوّض به الطريق الضعيف طريقاً صحيحاً وأن يوجد فيه نفس الاستاذ الذي يروي عنه الشيخ، وهذا غير متحقّق في محل الكلام؛ وذلك لأنّ النجاشي يذكر طريقين[63] إلى كتب ابن فضال، أحدهما يشترك مع طريق الشيخ الطوسي في الشيخ الذي يروي عنه، وهو ما يرويه عن أحمد بن عبد الواحد عن ابن الزبير عن عليّ بن الحسن بن فضال إلّا أنّ هذا الطريق ليس صحيحاً؛ لأنّه يواجه نفس الإشكال الذي واجهه طريق الشيخ الطوسي وهو عدم توثيق ابن الزبير، فلا معنى للتعويض. والثاني طريق صحيح إلّا أنّه لا يشترك مع طريق الشيخ الطوسي في الشيخ الذي يروي عنه، وهو ما رواه عن محمّد بن جعفر عن أحمد بن محمّد بن سعيد عن عليّ بن الحسن بن فضال، فلا يمكن تطبيق نظرية التعويض في المقام، فلاحظ. وعليه، فالرواية ساقطة سنداً.
[1] السرائر 1: 367، ط. جماعة المدرّسين- قم.
[2] جواهر الكلام 26: 39، راجع مفتاح الكرامة 5: 238 والحدائق 13: 181 وغيرهما من الكتب الفقهية للمزيد من الاطّلاع.
[3] انظر المبسوط: 266.
[4] الوسيلة: 137.
[5] راجع الجواهر 26: 38.
[6] جواهر الكلام 26: 41.
[7] الخصال 2: 421. الوسائل 20: 104، ب 45 مقدّمات النكاح، ح 10.
[8] راجع مشايخ الثقات: 42 وما بعدها.
[9] الوسائل 19: 365 ب 44 من الوصايا، ح 12
[10] المسالك 1: 197.
[11] مجمع البرهان 9: 191.
[12] مفردات الراغب: 58.
[13] صحاح اللغة 4: مادة (بلغ).
[14] يوسف: 22.
[15] البقرة: 233.
[16] التهذيب 9: 184 ح 16. الكافي 7: 68، ح 6.
[17] الفقيه 4: 221، ح 5522.
[18] الكافي 7: 198، ح 2.
[19] السرائر 3: 596، ط. جماعة المدرّسين- قم.
[20] الكافي 7: 197، ح 1.
[21] الوسائل 28: 297 ب 28 الحدود والتعزيرات، ح 13.
[22] الكافي 5: 398، ح 2.
[23] مجمع الفائدة والبرهان 9: 192.
[24] الكافي 5: 398، ح 3.
[25] مرآة العقول 20: 137.
[26] الخصال 2: 420، ح 15 وقد نسب صاحب الوسائل الزيادة إلى الشيخ الطوسي مع إنّها غير موجودة لا في التهذيب ولا في الاستبصار، فراجع.
[27] الكافي 7: 97، ح 3.
[28] الكافي 5: 398، ح 2.
[29] الكافي 5: 398، ح 4.
[30] التهذيب 7: 469، ح 89.
[31] الكافي 6: 85، ح 4.
[32] الوسائل 21: 87، ب 3 نكاح العبيد والإماء، ح 11.
[33] علل الشرائع 1: 86 ب 56 ط. مؤسسة الأعلمي.
[34] الغيبة للشيخ الطوسي: 176، ط. النعمان.
[35] الوسائل 20: 103، ب 45 كتاب النكاح- أبواب مقدّمات النكاح، ح 5، 8، 9، 6، 7.
[36] الوسائل 20: 103، ب 45 مقدّمات النكاح، ح 5.
[37] الوسائل 20: 103، ب 45 مقدّمات النكاح، ح 9.
[38] المصدر السابق: ح 8.
[39] الوسائل 20: ب 34، من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح 3.
[40] التهذيب 10: 234، ح 57.
[41] راجع التهذيب 1: 226، ح 23.
[42] الوسائل 20: 494، ب 34 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح 2.
[43] التهذيب 7: 468، ح 83.
[44] التهذيب 7: 382، ح 20.
[45] الكافي 5: 463، ح 5.
[46] الوسائل 21: 36، ب 12، كتاب النكاح، ح 4.
[47] راجع القاموس 4: 476.
[48] الوسائل 1: ب 4، مقدّمة العبادات، ح 7.
[49] الوسائل 19: 212، ب 15 الوقوف والصدقات، ح 4.
[50] راجع الملحق رقم [2].
[51] التهذيب 4: 326، ح 83، وقد نقلها الصدوق في المقنع مرسلة.
[52] التهذيب 2: 380، ح 5.
[53] رجال السيّد بحر العلوم 4: 57.
[54] المعجم 20: 103.
[55] هذا ليس تامّاً وإن ذكر في كلمات بعضهم؛ وذلك لأنّ الشيخ ذكر القمّاط في رجاله كما ذكر الكناسي- راجع رجال الشيخ الطوسي- باب الكاف: 277 (كنكر).
[56] معجم البلدان 4: 481.
[57] إيضاح الاشتباه: 320.
[58] رجال النجاشي: 87 رقم 211، ط جماعة المدرّسين.
[59] نسب إلى الكاظمي في كتابه تكملة الرجال.
[60] ذكره السيد بحر العلوم في رجاله 2: 12.
[61] القاموس 7: 552.
[62] معجم رجال الحديث 1: 82، ط الثالثة.
[63] رجال النجاشي: 257