تحقيق: حول خطبتي (خط الموت) و (ما خرجت إلا لطلب الإصلاح) المنسوبتان للحسين عليه السلام
الشيخ محمد العريبي
القول في خطبة ( خط الموت على ولد آدم …كأني بأوصالي تقطعها ) ][1]
ثم إنه قد أصر كثير من المعاصرين من أهل القيام والثورات على ضرب الأمثلة من كلام الحسين عليه السلام وخطبه واستدلوا بها على ثورية حركته ودمويتها عن قصد، وتحشيده الناس لبذل دمائهم مهما كان الثمن، ولو ساء أمر الإسلام وانتهكت حرماته أكثر من ذي قبل، زعما منهم أن العزة في هذا السبيل واخترع البعض أراجيز وأشعارا نسبها أو ألقاها على لسان حال الحسين عليه السلام، فألغوا بهذا كل دلالات نصوص المهادنة، وابتدعوا أصلا بين الأحكام غير أصيل!
ومما ذكروه في جملة أدلتهم، الخطبة التي رواها السيد ابن طاووس رحمه الله في كتابه اللهوف (664 هـ)، قال:
” وَ رُوِيَ أَنَّهُ ع لَمَّا عَزَمَ عَلَى الْخُرُوجِ إِلَى الْعِرَاقِ قَامَ خَطِيباً فَقَالَ:
الْحَمْدُ لِلَّهِ ما شاءَ اللَّهُ وَ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ وَ صَلَّى اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ، خُطَّ الْمَوْتُ عَلَى وُلْدِ آدَمَ مَخَطَّ الْقِلَادَةِ عَلَى جِيدِ الْفَتَاةِ، وَ مَا أَوْلَهَنِي إِلَى أَسْلَافِي اشْتِيَاقَ يَعْقُوبَ إِلَى يُوسُفَ، وَ خُيِّرَ لِي مَصْرَعٌ أَنَا لَاقِيهِ، كَأَنِّي بِأَوْصَالِي تَتَقَطَّعُهَا عَسَلَانُ الْفَلَوَاتِ بَيْنَ النَّوَاوِيسِ وَ كَرْبَلَاءَ، فَيَمْلَأْنَ مِنِّي أَكْرَاشاً جُوفاً وَ أَجْرِبَةً سُغْباً، لَا مَحِيصَ عَنْ يَوْمٍ خُطَّ بِالْقَلَمِ، رِضَى اللَّهِ رِضَانَا أَهْلَ الْبَيْتِ، نَصْبِرُ عَلَى بَلَائِهِ وَ يُوَفِّينَا أَجْرَ الصَّابِرِينَ، لَنْ تَشُذَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ص لُحْمَتُهُ وَ هِيَ مَجْمُوعَةٌ لَهُ فِي حَظِيرَةِ الْقُدْسِ تَقَرُّ بِهِمْ عَيْنُهُ وَ يُنْجَزُ بِهِمْ وَعْدُهُ، مَنْ كَانَ بَاذِلًا فِينَا مُهْجَتَهُ وَ مُوَطِّناً عَلَى لِقَاءِ اللَّهِ نَفْسَهُ فَلْيَرْحَلْ مَعَنَا؛ فَإِنَّنِي رَاحِلٌ مُصْبِحاً إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى”([2]).
ورواها قبل السيد -مرسلة من غير إسناد([3])- الحسين بن محمد بن الحسن بن مصر الحلواني (توفي في القرن الخامس وكان حيا سنة 481هـ معاصرا للسيد المرتضى ومحدثا عنه ومعاصرا للشيخ الطوسي) في كتابه نزهة الناظر وتنبيه الخواطر، قال: “وَ لَمَّا عَزَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى الْمَسِيرِ إِلَى الْعِرَاقِ قَامَ خَطِيباً، فَقَال …” ([4]) إلى تمام الخبر.
ثم أبو الحسين مسعود بن عيسى ورَّام بن أبي فراس (ت 605هـ) في مجموعه.
ورواها مرسلة أيضا الإربلي (ت 693هـ) في كشف الغمة.
لكن ابن نما (ت 645هـ) في مثير الأحزان رواها هكذا:
“عن الشعبي عن عبد الله بن عمر: انه كان بماء له فبلغه ان الحسين ( ع ) قد توجه إلى العراق فجاء إليه وأشار عليه بالطاعة والانقياد وحذره من مشاققة أهل العناد، فقال: يا عبد الله اما علمت أن من هوان الدنيا على الله أن رأس يحيى بن زكريا ( ع ) أهدى إلى بغى من بغايا بني إسرائيل … ثم قال له اتق الله يا أبا عبد الرحمن ولا تدعن نصرتي.
ثم قام خطيبا فقال: الحمد لله وما شاء الله ولا قوه إلا بالله خط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة … فإني راحل مصبحا إن شاء الله. ثم أقبل الحسين حتى مر بالتنعيم”([5]).
وظاهره إسناد اللفظ لسابقه بحسب السياق، فيكون قد وضع الخطبة ضمن ما رواه الشعبي عن عبد الله بن عمر، لكنه منصرف عن ظاهره بما عرف من طريقة الكتاب في الاختصار وترادف الأخبار والأحداث مسندة ومرسلة، سيما أنه روى لقياه لعبد الله بن عمر بعد بدء توجهه للعراق، ثم ذكر خطبته هذه التي أعلن فيها نية التوجه، فبينهما تهافت محتمل.
فهذا الخبر مرسل ككثير من أخبار السير، وغير جامع للحجية في مقام الاستدلال، ولا قام بشروط الدلالة التاريخية لو قيل بالتفريق بين الحجية وروايات التاريخ والأحداث.
وإنه ليتداخل الشك القوي في صحة هذه المرسلات صدورا وتحققا؛ إذ لا يتناسب الإعلان في الملأ عن حتمية مقتله عليه السلام مع ما كان عليه من الاستجابة لدعوة الكوفيين، وما كان عليه الناس من الاحتفاف به والسماع منه، بل واللحاق به حتى حل قريب كربلاء قبل أن يتفرقوا عنه، ولا أرتاب أن خبر مصرعه عليه السلام من الأسرار المغيبة المكتومة التي ما عرفها إلا قلة من أهل بيته ومن ظفر بها من حملة الأخبار.
وعلى هذا يببتني الجواب عن شبهة أن الحسين عليه السلام أسس لمشروعية القيام بالسيف والثورة مهما كانت العواقب والمآلات تمسكا بمبدأ العزة المدعاة مع أن العزة في خلاف القيام أغلب الأزمان؛ فإنه لا دلالة لمثل هذه النصوص على المدعى؛ إما لضعف جملة منها، أو لاستبعاد إذاعتها علنا لتكون منهجا عاما يغني الناس عن التمسك بالأسباب والأخذ بظواهر الأمور، والتي ذكرنا أنها كانت مجتمعة للحسين عليه السلام وما قام إلا بعدها كما هو صريح الروايات.
[تتمة فيها تحقيق حول خطبة (خط الموت على ولد آدم … كأني بأوصالي)]
ثم لا تعجب إن ساقك البحث والتقصي فوجدتها مشهورة في كتب الزيدية مسندة مشروحة، متصلة بزيد مروية عن قومه!، بل هي المنحصر طريقها بهم، وعنهم أخذ القوم!
فهذا إمام الزيدية في طبرستان أبو العباس أحمد بن إبراهيم الحسيني الزيدي[6] (ت 353 هـ) يروي في كتابه المصابيح في السيرة في نسخة كثيرة الغلط، فيقول بطريق فيه إرسال:
“وأخبرنا محمد بن عبد الله بن أيوب البجلي بإسناده عن زيد بن علي عن أبيه عليهم السلام أن الحسين (صلوات الله عليه) خطبهم، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:
أيها الناس خُطَّ الموت على ابن آدم مخط القلادة على جيد الفتاة، ما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف وأخيه، وإن لي لمصرعاً أنا لاقيه، كأني أنظر إلى أوصالي تقطعها عسْلان الفلوات، غُبراً عُفراً بين كربلاء وبراريس [نواويس] قد ملأت مني أكراشاً جوفاً، رضا الله رضانا أهل البيت، فصبراً على بلائه ليوفينا أجر الصابرين، لن تشذ عن رسول الله حرمته وعترته، ولن تفارقه أعضاؤه وهي مجموعة له في حظيرة القدس، تقر بهم عينه، وينجز لهم عدته، من كان فينا باذلاً مهجته فليرحل فإني راحل غداً إن شاء الله عزَّ وجل، ثم نهض إلى عدوه فاستشهد (صلوات الله عليه)”[7].
وهو أقدم مصدر لها بل هو الوحيد اليتيم الذي وجدنا هذه الخطبة فيه، ولا تجد فيها أنه قالها في خروجه من مكة أو في حال توجهه للعراق كما نقله المتأخرون عنه!، ولعلهم نسبوها للحسين لما رأوا ذكر كربلاء، وأغفلوا أنه عين القتلةَ بين كربلاء وما سماها براريس في هذه النسخة، ونقلها المتأخرون عنه (نووايس) وهو ما يغطى به لحد القبر وقيل أنه اسم لمقابر النصارى خارج كربلاء من شمالها، مع الاتفاق على أن الحسين عليه السلام قد عرف مكان استشهاده وكذا خواص أهله وهو كربلاء لا غيرها.
وأخذها عن أبي العباس الآنف الذكر إمامهم أبو طالب يحيى بن الحسين الهاروني الزيدي[8] (م 340 – ت 424 هـ)، توفي شيخه أبو العباس وكان يحيى صبيا عمره ثلاثة عشر سنة كما تسجله تواريخ الوفيات، وهذا من الغرائب في التلمذة وأخذ الحديث المسند ومضعف لاعتبار حديثه، وروى هذا الخبر في أماليه، فقال مفصلا ما أجمل في سند شيخه:
أَخْبَرَنَا أبو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بن إبْرَاهِيمَ الْحَسَنِي رحمه الله تعالى، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن عَبْدِ الله بن أَيُّوبَ البَجْلِي، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بن عَبْدِ العزيز العَكْبَرِي، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بن مُحَمَّدٍ بن يَحْيَى عَنْ أَبِيهِ، عَنْ تَمِيمِ بن [أبي][9] رَبِيعَةَ الرِّيَاحِي، عَنْ زَيْدِ بن عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ عليه السلام أَنَّ الْحُسَيْنَ بن عَلِيٍّ عليه السلام خَطَبَ أَصْحَابَهُ فَحَمِدَ الله وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ” وساق الخبر[10].
ورواها عنه الخوارزمي (ت 568 هـ) بسنده في مقتله ببعض التفاوت عن أبي العباس أحمد بن إبراهيم الحسيني بنفس الطريق، قال:
“أخبرنا الشيخ الإمام الزاهد سيف الدين أبو جعفر محمّد بن عمر الجمحي كتابة ، أخبرنا الشيخ الإمام أبوالحسين زيد بن الحسن بن علي البيهقي، أخبرنا السيّد الإمام النقيب علي بن محمّد بن جعفر الحسني الإسترابادي، حدثنا السيّد الإمام نقيب النقباء زين الإسلام أبو جعفر محمّد بن جعفر بن علي الحسيني، حدثنا السيّد الإمام أبو طالب يحيى بن الحسين بن هارون بن الحسين بن محمّد بن هارون بن محمّد بن القاسم بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) ، أخبرنا أبو العباس أحمد بن إبراهيم الحسني، حدثنا محمّد بن عبدالله بن أيّوب البجلي، حدثنا علي بن عبدالعزيز العكبري، حدثنا الحسن بن محمّد بن يحيى ، عن أبيه، عن تيم بن ربيعة الرياحي ، عن زيد بن على، عن أبيه: أنّ الحسين (عليه السلام) خطب أصحابه، فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال ” الخبر[11].
والراوي عن زيد بن علي، تميم بن ربيعة الرياحي، مجهول عندنا وعندهم لم يفصل حاله أحد، قال في موسوعة رجال الزيدية: “تميم بن ربيعة الرياحي: ذكر في طبقات الزيدية أنه روى عن زيد بن علي، وروى عنه محمد بن يحيى، ومثله في الجداول. لم أقف له على ترجمه”.
وكذا الرواة عن تميم بن ربيعة، مجهولون أو مهملون، فهذ الخبر من أخبار الآحاد المنفردة التي رواها المجاهيل ومن لا يقبل منهم إلا أن يعضد خبرهم خبر غيرهم، فما بالك وقد رواها من يجر النار لقرصه وتفرد بها من جهل أمره وتناقلها من لا يوثق بقوله !، وهذا أضعف صور الإسناد وأوهن النصوص في الاعتماد.
ولو قدرت لهذه الخطبة صحة وصدور، لما تعدت زيد بن علي بن الحسين عليهما السلام؛ فإنه ممن أنهوا الفصاحة والبلاغة إليه، وضم السيف إلى جناحه ودعا الناس إلى بيعته.
وقال بعض المعاصرين في معرض الإجابة عن سؤال السائل عن درجة اعتبار هذه الخطبة المنسوبة للحسين عليه السلام:
“نعم المقاطع التي في هذه الخطبة والتي وردت في نصوصٍ أخرى عن الإمام الحسين عليه السلام، بحيث تظافرت النصوص فيها، يمكن القول بثبوتها ثبوتاً نوعيّاً لا شخصّياً … وأقول: إذاً فهذه قطعاً قد صدرت؛ لأنّ فيها ذلك المقطع الذي تظافرت النصوص لتأكيده. فهنا أنا أجزم بهذه الفكرة المشتركة بين مائة نصّ حديثي أو تاريخي مختلف الموضوع، وفي الوقت عينه لا أصحّح أيّ رواية من هذه الروايات المائة بعينها وشخصها على تقدير ضعفها بنفسها، وهذه نقطة مهمّة جدّاً في علم الحديث والأصول غالباً ما تتمّ الغفلة عنها كما رأيت. والله العالم”[12].
وهذا الجواب من غرائب الأجوبة !؛ إذ بعد التنزل والتسليم بأن اشتراك بعض المقاطع جابر لضعف الخبر ومورث للاطمئنان لو تكثر وروده، فلنا أن نسأل صاحب هذه الدعوى – المجردة عن الدليل – عن مواضع الاشتراك ومحالها!، وهل تعدد نَقلُها ونَقَلَتُها حتى حقق وثوقا نوعيا بصدورها !، هذا، فضلا عن عدم كاشفية اشتراك بعض مقاطع الخطبة مع غيرها عن الصدور، إلا أن يؤنس بكلمات الإمام عليه السلام ويعرف أسلوب بيانه بعد التتبع والممارسة، بل قد يدعى أن المشاركة في خطبتين غير متحدتين داعية للميل للوضع في المشكوكة منهما؛ إذا لا يقصر صاحب اللسان عن أي بيان، ولا يعجزه ضيق وفاض عن فيض العذب من الألفاظ.
عصمنا الله من الزلل، ووفقنا للسعي في إعلاء دينه من غير ملل أو كلل.
-
- [وأنّي لَم أخرُج أشِرا ولا بَطِرا]
ونسب للحسين الشهيد عليه السلام قوله في وصية له: “وأنّي لَم أخرُج أشِرا ولا بَطِرا، ولا مُفسِدا ولا ظالِما، وإنَّما خَرَجتُ لِطَلَبِ النَّجاحِ وَالصَّلاحِ في اُمَّةِ جَدّي”.
فقد ادعى بعض أنه واضح الدلالة على جواز الخروج والمطالبة كلف ما كلف من تضحيات، بمقتضى إطلاق نفي إرادة الفساد وإثبات إرادة الإصلاح في مقام تعليل الخروج، بضميمة أن يكون معنى الخروج هو القيام والثورة، فكأن السؤال كان عن سبب ثورته عليه السلام، فأجاب عنه بما ذكر.
ومن الواضح أن معنى الخروج في نفسه – خاليا عن الإضافة أو القرائن – لا يتضمن معنى القيام على الحكم أو الظالم المسمى الآن بالثورة في لسان الساسة، ولم يتواضع أهل اللسان على الخروج بمعنى القيام إلا بعد اقترانه سياقا وحكما واشتهاره بحكم الخروج عن أمر الحاكم أو الظالم بعد سنين طويلة من عصر الإسلام الأول.
وأما ما قيل من أن اللفظ استقر على معنى القيام على الحاكم حتى سمي أتباعه خوارج بعد ظهورهم في زمن أمير المؤمنين عليه السلام، كما ألمح الشيخ شمس الدين في كتابه[13]، فهو لا يعني انحصار استعمال مفردة الخروج في هذا المعنى، كما أن المعنى الجديد كان معرفة وتسمية لخصوص فئة هم الخوارج، ولم يكن في باقي تصريفات الكلمة.
فلا يمكن التسليم بأن معنى الخروج هنا هو المعنى المتبادر عند المستدل إلا بقرينة واضحة.
ومن أمثلة استعمال الكلمة (الخروج) وما اقترنت به من ألفاظ شبيهة بما ورد في مقامنا -بمعناها الأولي لا بمعنى القيام- ما رواه ابن الشيخ الطوسي في مجالسه عن أبيه، بسنده عن الرضا، عن آبائه (عليهم السلام)، قال: ” كان الصادق ( عليه السلام ، يقول إذا خرج إلى الصلاة:
اللهم إني أسألك بحق السائلين بك، وبحق مخرجي هذا، فإني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا رياء ولا سمعة، ولكن خرجت ابتغاء رضوانك، واجتناب سخطك، فعافني بعافيتك من النار”[14]. ومثله ما رواه بسنده عن موسى بن جعفر عن أبيه عليهما السلام[15]، وروي قريب منه وبألفاظ أكثره في كتب العامة.
[ مصادر النص]
قال أحمد بن أعثم الكوفي في كتابه الفتوح فيما كان المدينة قبل خروجه عليه السلام لمكة وقبل بيعة أهل الكوفة وإرسال كتبهم طالبين قدومه:
“لَمّا جاءَ إلَيهِ [أي إلَى الإِمامِ الحُسَينِ عليه السلام] مُحَمَّدُ ابنُ الحَنَفِيَّةِ قالَ: يا أخي فَدَتكَ نَفسي، أنتَ أحَبُّ النّاسِ إلَيَّ وأعَزُّهُم عَلَيَّ، ولَستُ وَاللّهِ أدَّخِرُ النَّصيحَةَ لأَحَدٍ مِنَ الخَلقِ، ولَيسَ أحَدٌ أحَقَّ بِها مِنكَ، فَإِنَّكَ كَنَفسي وروحي وكَبيرُ أهلِ بَيتي ومَن عَلَيهِ اعتِمادي وطاعَتُهُ في عُنُقي، لأَنَّ اللّهَ تَبارَكَ وتَعالى قَد شَرَّفَكَ وجَعَلَكَ مِن ساداتِ أهلِ الجَنَّةِ، وإنّي اُريدُ أن اُشيرَ عَلَيكَ بِرَأيي فَاقبَلهُ مِنّي.
فَقالَ لَهُ الحُسَينُ عليه السلام: قُل ما بَدا لَكَ. فَقالَ: اُشيرُ عَلَيكَ أن تَنجُوَ نَفسَكَ عَن يَزيدَ بنِ مُعاوِيَةَ وعَنِ الأَمصارِ مَا استَطَعتَ، وأن تَبعَثَ رُسُلَكَ إلَى النّاسِ وتَدعُوَهُم إلى بَيعَتِكَ، فَإِنّي إن بايَعَكَ النّاسُ وتابَعوكَ حَمِدتُ اللّهَ عَلى ذلِكَ، وقُمتَ فيهِم بِما يَقومُ فيهِمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله وَالخُلَفاءُ الرّاشِدونَ المَهدِيّونَ مِن بَعدِهِ، حَتّى يَتَوَفّاكَ اللّهُ وهُوَ عَنكَ راضٍ، وَالمُؤمِنونَ كَذلِكَ، كَما رَضوا عَن أبيكَ وأخيكَ، وإن أجمَعَ النّاسُ عَلى غَيرِكَ حَمِدتَ اللّهَ عَلى ذلِكَ، وإنّي خائِفٌ عَلَيكَ أن تَدخُلَ مِصرا مِنَ الأَمصارِ أو تَأتِيَ جَماعَةً مِنَ النّاسِ فَيَقتَتِلونَ فَتَكونُ طائِفَةٌ مِنهُم مَعَكَ وَطائِفَةٌ عَلَيكَ فَتُقتَلَ بَينَهُم.
فَقالَ لَهُ الحُسَينُ عليه السلام: يا أخي، إلى أينَ أذهَبُ؟ قالَ: اُخرُج إلى مَكَّةَ، فَإِنِ اطمَأَنَّت بِكَ الدّارُ فَذاكَ الَّذي تُحِبُّ واُحِبُّ، وإن تَكُنِ الاُخرى خَرَجتَ إلى بِلادِ اليَمَنِ، فَإِنَّهُم أنصارُ جَدِّكَ وأخيكَ وأبيكَ، وهُم أرأَفُ النّاسِ وأرَقُّهُم قُلوبا، وأوسَعُ النّاسِ بِلادا وأرجَحُهُم عُقولاً، فَإِنِ اطمَأَنَّت بِكَ أرضُ اليَمَنِ وإلّا لَحِقتَ بِالرِّمالِ وشُعوبِ الجِبالِ، وصِرتَ مِن بَلَدٍ إلى بَلَدٍ لِتَنظُرَ ما يَؤُولُ إلَيهِ أمرُ النّاسِ، ويُحكَمَ بَينَكَ وبَينَ القَومِ الفاسِقينَ.
فَقالَ لَهُ الحُسَينُ عليه السلام: يا أخي، وَاللّهِ لَو لَم يَكُن فِي الدُّنيا مَلجَأٌ ولا مَأوى لَما بايَعتُ وَاللّهِ يَزيدَ بنَ مُعاوِيَةَ أبَدا، وقَد قالَ صلى الله عليه و آله: “اللّهُمَّ لا تُبارِك في يَزيدَ”.
قالَ: فَقَطَعَ عَلَيهِ مُحَمَّدُ ابنُ الحَنَفِيَّةِ الكَلامَ وبَكى، فَبَكى مَعَهُ الحُسَينُ عليه السلام سَاعَةً ثُمَّ قالَ: جَزَاكَ اللّهُ يا أخي عَنّي خَيرا، ولَقَد نَصَحتَ وأشَرتَ بِالصَّوابِ، وأنَا أرجو أن يَكونَ إن شاءَ اللّهُ رَأيُكَ مُوَفَّقا مُسَدَّدا، وإنّي قَد عَزَمتُ عَلَى الخُروجِ إلى مَكَّةَ، وقَد تَهَيَّأتُ لِذلِكَ أنَا وإخوَتي وبَنو إخوَتي وشيعَتي، وأمرُهُم أمري، ورَأيُهُم رَأيي. وأمّا أنتَ يا أخي فَلا عَلَيكَ أن تُقيمَ بِالمَدينَةِ فَتَكونَ لي عَينا عَلَيهِم، ولا تُخفِ عَلَيَّ شَيئا مِن اُمورِهِم.
قالَ: ثُمَّ دَعَا الحُسَينُ عليه السلام بِدَواةٍ وبَياضٍ … فَكَتَبَ:
بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، هذا ما أوصى بِهِ الحُسَينُ بنُ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ لأَخيهِ مُحَمَّدِ ابنِ الحَنَفِيَّةِ المَعروفِ وَلَدِ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام:
إنَّ الحُسَينَ بنَ عَلِيٍّ يَشهَدُ أن لا إلهَ إلَا اللّهُ وَحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وأنَّ مُحَمَّدا عَبدُهُ ورَسولُهُ، جاءَ بِالحَقِّ مِن عِندِهِ، وأنَّ الجَنَّةَ حَقٌّ، وَالنّارَ حَقٌّ. وأنَّ السّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيبَ فيها، وأنَّ اللّهَ يَبعَثُ مَن فِي القُبورِ. وأنّي لَم أخرُج أشِرا ولا بَطِرا، ولا مُفسِدا ولا ظالِما، وإنَّما خَرَجتُ لِطَلَبِ النَّجاحِ وَالصَّلاحِ في اُمَّةِ جَدّي مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله، اُريدُ أن آمُرَ بِالمَعروفِ وأنهى عَنِ المُنكَرِ، وأسيرَ بِسيرَةِ جَدّي مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله، وسيرَةِ أبي عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ وسيرة الخلفاء الراشدين المهديين رضي الله عنهم، فَمَن قَبِلَني بِقَبولِ الحَقِّ فَاللّهُ أولى بِالحَقِّ، ومَن رَدَّ عَلَيَّ هذا أصبِرُ حَتّى يَقضِيَ اللّهُ بَيني وبَينَ القَومِ بِالحَقِّ، ويَحكُمَ بَيني وبَينَهُم بِالحَقِّ، وهُوَ خَيرُ الحاكِمينَ.
هذِهِ وَصِيَّتي إلَيكَ يا أخي، وما تَوفيقي إلّا بِاللّهِ، عَلَيهِ تَوَكَّلتُ وإلَيهِ اُنيبُ. وَالسَّلامُ عَلَيكَ وعَلى مَنِ اتَّبَعَ الهُدى، ولا حَولَ ولا قُوَّةَ إلّا بِاللّهِ العَلِيِّ العَظيمِ.
قالَ: ثُمَّ طَوَى الكِتابَ الحُسَينُ عليه السلام وخَتَمَهُ بِخاتَمِهِ، ودَفَعَهُ إلى أخيهِ مُحَمَّدِ ابنِ الحَنَفِيَّةِ ثُمَ وَدَّعَهُ”[16].
[الاشتباه في الاستدلال بها على مشروعية القيام]
نقلنا النص بتمامه ليعلم أن الخروج المقصود هو خروج الحسين عليه السلام من مكة إلى المدينة أو غيرها من البلدان كما هو واضح من السياق والمقام، وأن هذا الأمر كان قبل قيام الحسين عليه السلام وعزمه على تولي الكوفة بعد أن تكاثرت عليه كتب الكوفيين أن أقدم إلينا خليفة لا نريد سواك، فتبين أن الاستدلال بها من جملة الاشتباهات وأن المقصود بها لا يوافق المستدل بها على جواز القيام.
[مصدر الرواية غير معتبر]
أما خبر هذه الوصية فمع اشتهارها بين المتأخرين خاصة، غير أنها في مصادر لا يتيقن صحتها مع انفرادها ولا يركن لها إلا إذا انضم إليها ما يقويها ولم يعارضها أمر آخر.
وهذه قد نُقلت عن كتاب ابن الأعثم الكوفي (ت 314 هـ)، الذي وصفه بعض علماء الشيعة كابن جرير الطبري الإمامي بأنه “رجل معاند”[17] ولعله أراد مخالف، وآخرون من المتأخرين –كالمحدث ابن طاهر القمي- بأنه عمدة المخالفين وعلمائهم الثقات، وعده ياقوت الحموي في معجم الأدباء شيعيا، قال: ” كان شيعيا وهو عند أصحاب الحديث ضعيف”[18] وهذا تعصب منه.
ولا شك في كونه من أبناء العامة لا الخاصة، وأن الناظر في كتابه يراه محبا لا متشيعا إماميا، لذا قال فيه التستري في قاموسه: “من مؤرّخي العامّة إلاّ أنّه ليس من نصّابهم”[19]، وتاريخه اعتمد على النقل منه بعض علماء الشيعة، لكن لا بتمام الاعتماد وكامل الركون كغيره من كتب أهل الأخبار التاريخية، كمقتل لوط ابن يحيى المعروف بأن الشيعة ركنت لصاحبه ولنقولاته.
[الضعف في متن الرواية وصحة المنقول بطرقنا]
وأما متنها فمما فيه أنه عليه السلام قال أنه يسير بسيرة الخلفاء الراشدين المهديين رضي الله عنهم، وهذا لا يوافق المعلوم من المذهب بالضرورة، وما في بعض طبعات الكتب المتأخرة من رواية الحديث مع إسقاط هذه الجملة أو تخطيها لا مبرر له!
مع أن المروي عن هذه الوصية أو الكتاب -الذي لا يعلم غيره- بطرقنا صحيحا ما عن السيد بن طاووس في كتابه اللهوف بسنده قال: ذكر مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكُلَيْنِيُّ فِي كِتَابِ الرَّسَائِلِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ[20] عَنْ أَيُّوبَ بْنِ نُوحٍ عَنْ صَفْوَانَ عَنْ مَرْوَانَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ حَمْزَةَ بْنِ حُمْرَانَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: “ذَكَرْنَا خُرُوجَ الْحُسَيْنِ ع وَ تَخَلُّفَ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع: يَا حَمْزَةُ إِنِّي سَأُخْبِرُكَ بِحَدِيثٍ لَا تَسْأَلُ عَنْهُ بَعْدَ مَجْلِسِكَ هَذَا؛ إِنَّ الْحُسَيْنَ لَمَّا فَصَلَ مُتَوَجِّهاً دَعَا بِقِرْطَاسٍ وَ كَتَبَ فِيهِ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، مِنَ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ إِلَى بَنِي هَاشِمٍ، أَمَّا بَعْدُ؛ فَإِنَّهُ مَنْ لَحِقَ بِي مِنْكُمْ اسْتُشْهِدَ وَ مَنْ تَخَلَّفَ لَمْ يَبْلُغْ مَبْلَغَ الْفَتْحِ وَ السَّلَامُ”.
ورواها الصفار ( ت 290 هـ) عن أيوب بن نوح بعينها في أشهر كتبه بصائر الدرجات، ومحمد بن الحسن الصفار هو الذي قال فيه النجاشي: ” كان وجها في أصحابنا القميين ثقة عظيم القدر راجحا قليل السقط في الرواية”[21] – عن أيوب بن نوح، وتناقلها غيره من علماء الشيعة في مصنفاتهم، فانظر هامش التخريج[22].
[لو صحت الرواية لم يصح التمسك بدلالتها أيضا]
وأما التمسك بالتعليل فيها ( طلب الإصلاح ) وأنه سيرة النبي صلى الله عليه وآله وعلي والحسن عليهم السلام، ليكون مبررا للخروج مطلقا حتى مع عدم توفر دواعي النصر، فلو سلمنا صحة الرواية وسلامة متنها – وهو ما لا يمكن التسليم به كما أسلفنا آنفا – لم يصح معناه؛ لأن خروجه لو حمل على أنه للمسير من مكة إلى المدينة لم يكن مرادفا لمعنى القيام، والحال أن المستدل ممن ينتصر لجواز القيام أو وجوبه.
ولو حمل على الخروج لجهاد يزيد في مكة قبل بيعة الناس فهذا ليس بخروج وقيام، بل مقامٌ في مكة وتحصن فيها بأهلها بغير دعوة دعى لنفسه فيهم كما هو المتفق عليه، وإنما كان ذاك من عبد الله بن الزبير بعد ذاك، فلا ينفع المدعي أيضا.
ولو سلم أنه خروج للجهاد من أوله تمهيدا ثم تنفيذا، قلنا: أنه لم يكن هذا من سيرة النبي صلى الله عليه وآله ولا سيرة علي ولا الحسن عليهما السلام التي ذكرت في ذيل الوصية؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وآله ما جاهد الكفار إلا أمرا ووحيا بعد الصبر العظيم واجتماع الأسباب والقدرة وما انفرد خارجا لحرب أحد ولا سلك سبل الثائرين كما في هذا العصر، وإن عليا عليه السلام هو كذلك، ما قام في الناس ثائرا ولم يمسك بزمام الخلافة إلا بعد بيعة الناس له وعلمه بصيرورة الأمور إليه، ودونك خطبته الشقشقية، وأن أبا محمد الحسن عليه السلام دام على خطى أبيه، ومن سيرته المهادنة لما خلت الأسباب وترجح الفسادُ على الصلاح بين الأتباع، كل هذا مع ما ثبت من سيرة الحسين عليه السلام، وهو بقاؤه في مكة ثم قدوم أهل الكوفة بكتبهم يطلبون قدومه ليبايعوه كسيرة أبيه عليه السلام، ثم سار لهم سير غير المتحصن بعسكر ولا المترئس لجيش دون تبييت نية لمواجهة أو قيام كما أثبتناه في غير موضع من هذا الكتاب.
فكيف يكون خروجه عليه السلام من مكة بداية قيام وثورة!، وكيف يمكن الاستدلال بسيرة من لا يوافقون الثورة والقيام المدعى لا في المبدأ ولا الأسباب كالنبي وآله الأطياب !، فلم يقم ويخرج رسول الله صلى الله عليه وآله كخروج الثوار والقائمين، وكذا لم يفعل علي ولا ابنه الحسن عليهما السلام، فانتفى المعلل (القيام) لبطلانه، ولم يصح التعليل (طلب الإصلاح) لانتفائه، وهذا مضعف آخر للرواية، وعلى مدعي دلالتها الإتيان بوجه صحيح تام، وحيث لم يكن فلا محيص عن رفع اليد عنها.
ولرب قائل أن يقول: أنه عليه السلام بامتناعه عن بيعة يزيد قد شرع في المعارضة والقيام، فنقول: إنا نسلم أصل المعارضة منه عليه السلام ليزيد ولا ينكره أحد أبدا، لكنا ننكر أنه قام بلا اهتمام لدماء الناس ولا رعاية لمصلحة الإسلام كالثوار والخارجين وكما يريد أن يصوره المستدل، ويكفي أن تلاحظ سيرته سلام الله عليه ليبان لك الفارق البين، مع عدم صحة القياس والاستدلال مطلقا بامتناع الحسين عليه السلام عن البيعة، كما مر عليك ويأتيك من تفصيل أكثر.
[لا يدل الخبر على جواز المعارضة السلمية مع احتمال الضرر]
ومن هنا يعلم، أن الاستدلال بها على جواز المعارضة مع احتمال الضرر بشرط سماه بعض منهم (سلمية المعارضة)، تبرع بالدلالة والشرط؛ فقد علمت عدم صلاحيتها للاستدلال لضعف مستندها ومتنها، ولو دلت على جواز أو وجوب الخروج على الحكام في كل عصر مطلقا، لما احتجنا لاشتراط سلمية الخروج!؛ لأن الغرض يطلب تحققه بأي نحو ولو بسفك المهج تمسكا بإطلاق الدليل كما توهموا، بل يلزم من هذا تخصيص أدلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بهذا العنوان المبتدع!
ولو قيل: أن مرادهم بالشرط مشروعية المعارضة السلمية على نحو الاتفاق؛ إذ لا حمل فيها للسلاح ولا تشابك في عراك، ، فهو مردود؛ بأنه لا يوافق القائلين بالحرمة ولا الجواز، إذ لا رواية ولا قول في الشريعة بتخصيص جواز القيام إذا كان دون حمل سلاح بعد صدق مسمى الخروج المتمثل بالمعارضة كما بيناه، ولا مستند لتخصيص حكم الجواز أو الوجوب المطلق عند المتوهمين لهذا الحكم، فهو خرق للإجماع المركب.
وكذا فإنه لا معنى لسلمية الخروج على الحاكم في الواقع فضلا عن لغوية اشتراطها شرعا؛ لأن السلامة لا تتحقق بمجرد الامتناع عن حمل السلاح في قبال الحكام، بل في أن يؤمن الفتنة بين الأنام والضرر من جانب السلطان حتى لو علق الزهر مكان السنان، وهو –أي السلطان- الذي يقرر كيف يشاء سلميتها إذا تحقق بها السلم أو عدم سلميتها إذا تحقق بها الضرر له ولملك دولته، فالسلمية وعدمها عنوان واقعي ينتزع من سلامة الطرفين المتنازعين في الفرض، وليس لها محل في عالم الاعتبار، فمتى أجاز الحاكم المعارضة أو قل لم تكن بالنسبة له وفي نظره معارضة لحكمه ومنازعة له في ملكه، فقد ارتفع المحذور بالكلية على ما بينها في غير موضع.
[الحاصل]
والحاصل: أن نسبة هذا الحكم – وهو جواز المعارضة السلمية لإسقاط السلاطين والحكام – وصولا للحكم أو المشاركة فيه –مغالبة ومحاصصة- في عصر المهادنة بين بني الإسلام والمسالمة مع بقية الأنام، نسبة باطلة للشارع المقدس، كما أن توهم أو إيهام المكلفين بأن تغيير الألفاظ والأوصاف عن واقعها يبيح لهم ارتكاب الحرام، بطلانه من أوضح الواضحات، تنَزَّهَ الشرعُ الحنيفُ عن هذا اللعب بالدين وخلطِ الوهمِ باليَقين.
…………………………………………
[1] مستلتان من كتابنا ( حرمة القيام ).
([2]) اللهوف على قتلى الطفوف: 60-61.
([3]) قال المصنف في أول الكتاب ص 9: “حذفت الأسانيد حتى لا يخرج الكتاب عن الغرض المقصود في الاختصار”
([4]) نزهة الناظر: 86.
([5]) مثير الأحزان: 30.
[6] في معجم الرجال: ” أحمد بن إبراهيم بن أحمد: السيد أبو العباس الحسيني (الحسني): فاضل، ثقة. الفهرست للشيخ منتجب الدين”. وقيل أنه كان إماميا ثم تزيد، دخل الري لطلب الحديث وصار إمامهم، وبرروا له عدم قيامه بكثرة الموانع عنه !. انظر مقدمة محقق كتابه المصابيح.
[7] المصابيح في السيرة والتاريخ: 335/ ح 187.
[8] له كتاب الإفادة في تاريخ الأئمة السادة، من كتب الزيدية التي عليها معتمدهم.
[9] في غير مصدر بدون أبي، ولعلها زائدة.
[10] تيسير المطالب في أمالي أبي طالب (ترتيب الأمالي): 345-346.
[11] مقتل الخوارزمي: 208.
[12] حيدر حب الله.
[13] أنصار الحسين: 38.
[14] أمالي الطوسي 1: 381.
[15] أمالي الطوسي 1: 371.
[16] الفتوح : ج ۵ ص ۲۱ ، عنه مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : ج ۱ ص ۱۸۸.
[17] نوادر المعجزات: 62، ب1 ح27.
[18] معجم الأدباء 2: 230-231، ر29.
[19] قاموس الرجال 12: 90، ر231.
[20] يحتمل أنها مصحفة عن الحسن، فهو الثقة محمد بن الحسن بن فروخ الصفار.
[21] فهرست النجاشي: 354، ر948.
[22] بصائر الدرجات : 481 ح 5 ، اللهوف : 28 ، المناقب لابن شهر آشوب 4 : 76 ، مثير الأحزان : 39 ، الخرائج الجرائح 2 : 771 ، بحار الأنوار 44 : 330 و 45 : 84 و 42 : 81 ح 12 ، العوالم 17 : 179 .